الآثار والمقدسات والمقامات في فلسطين جبهة صراع..!

24 مايو, 2023 05:47 صباحاً
د. عبد الرحيم جاموس

لم يعد خافيا على أحد افتقاد المصداقية للرواية التاريخية والدينية، كما القانونية والمشروعية السياسية، لمجمل الرواية اليهودية الصهيونية وإدعاءتها الكاذبة في حقها في الوجود على أرض فلسطين الكنعانية العربية الإسلامية والمسيحية، هذا ما أثبته ويثبته علماء التاريخ والآثار المنصفين بأبحاثهم العلمية، ليس فقط الباحثين العرب مسلميهم ومسيحييهم على السواء، إنما أيضا أبحاث الباحثين الغربيين ومنهم اليهود خاصة.

يسعى الكيان الصهيوني جاهدا إلى السيطرة على كافة المواقع الأثرية والمقامات والمقدسات الدينية، التي تعج بها فلسطين، والتي لا علاقة لها باليهود واليهودية، وتؤكد على الهوية العربية الإسلامية والمسيحية لتلك الآثار والمقدسات الموجودة في مختلف المواقع في فلسطين، حتى تلك التي تسمى منها آثارا رومانية أو إغريقية، ماهي إلا آثار عربية كنعانية خالصة، حيث (بنيت بيد المهندسين والعمال العرب الكنعانيين) أثناء فترات حكم كل من الإغريق أو الرومان الذين تعاقبوا على احتلال فلسطين، فقد كان حكم هذه الدول لفلسطين لا يعدو عن حكم استعماري لها بلغة العصر الحديث، للأرض وسكانها الذين لم تنقطع صلتهم بها اطلاقا، وواصلوا عيشهم واستقرارهم وحياتهم وتطورهم الحضاري والعمراني في ظل سيطرة تلك الدول المحتلة والمستعمرة، إن كل أثر في فلسطين هو (أثر كنعاني فلسطيني) عربي على اختلاف الحقب التاريخية والسياسية والدينية التي عرفتها فلسطين في تاريخها القديم والحديث.

إن معركة السيطرة على المقدسات والمقامات والآثار بصفة عامة، هي جبهة صراع محتدمة مع الإحتلال ومعركة لا تقل أهمية ولا تقل ضراوة وشراسة عن معركة التوسع الإستيطاني والسيطرة والضم والتهويد  للأراضي الفلسطينية، التي يشنها ويفرضها الكيان الصهيوني على فلسطين التاريخ والحاضر والحضارة، تمثل جبهة صراع محتدمة ومستمرة، سعيا منه  للإستحواذ عليها والعمل على تزييفها وتزويرها وطمس هويتها الحقيقية ونسبتها للتراث اليهودي الكاذب والمزور، الذي يؤكد علماء الآثار الموضوعيين والمنصفين عدم وجود أي أثر تاريخي يهودي يعتد به، يمكن أن ينسب لليهود واليهودية في فلسطين، وإفتقاده أي معلم تراثي أو حضاري حقيقي يدل على وجوده سابقا في فلسطين عبر التاريخ، يمكن له أن يعتدَ به الكيان الصهيوني، منذ قيامه ونشأته عمل على تدمير الكثير من المعالم والآثار التاريخية العربية في فلسطين، كما عمل على وضع اليد والسيطرة على العديد من المواقع الأثرية والمقامات الدينية، فقد فرض سيطرته وتحكمه على المسجد الإبراهيمي في الخليل، ومسجد قبر يوسف في نابلس ومقام راحيل في بيت لحم، وحائط البراق في القدس التي يسعى فيها حثيثا من خلاله للسيطرة على المسجد الأقصى وفرض سيطرته عليه أو اقتسامه بين اليهود والمسلمين مكانيا وزمانيا، كما فعل في المسجد الإبراهيمي في الخليل، وما الإجتياحات اليومية من قبل المستوطنين وبعض المسؤولين الصهاينة لباحات المسجد الأقصى وحفر الأنفاق الواسعة أسفله، والتي توجت بالأمس بعقد الإجتماع الأسبوعي  للحكومة الإسرائيلية داخل نفق من هذه الأنفاق الممتدة تحت المسجد الأقصى إلا تأكيدا واضحا على سياسة ونوايا الصهيونية الدينية التي تمثلها حاليا حكومة الكيان في السيطرة على المسجد الأقصى وتغيير الوضع القائم فيه، بهدف صناعة مقدس يهودي على حساب قدسية المسجد الأقصى لدى المسلمين عامة.

إن جميع المواقع الأثرية من مقامات وغيرها، هي الأخرى اليوم عرضة لهجمات مستوطنيه وجيشه ومحلِ أطماعه، مثل المواقع والأحياء الأثرية في بلدة سبسطية شمال غرب مدينة نابلس وجبل العرمة في بلدة بيتا جنوب مدينة نابلس أيضا، حيث تتعرض هذه المواقع والبلدات يوميا لهجمات وارهاب منظم من قبل جيش الإحتلال وقطعان المستوطنيين ويتصدى لهم سكان هذه البلدات العزل.

إن حماية هذه المقدسات والمواقع الأثرية المختلفة تقتضي حمايتها والمحافظة عليها لما تمثله من قيمة حضارية وثقافية ودينية تضحضُ ادعاءات اليهود الصهاينة، وتكشف زيف روايتهم التاريخية والدينية عن فلسطين وتؤكد هويتها الكنعانية العربية والإسلامية والمسيحية الفلسطينية.

إن دور وزارات الثقافة والسياحة والآثار والاوقاف في المحافظة على هذا الإرث الحضاري والثقافي والديني يجب أن يكون دورا منظما وفق خطة وطنية عملية واضحة على المستوى المحلي والدولي، لكف يدِ المستوطنين وجيش الإحتلال عنها، وتأمين المحافظة عليها وتوفير كل أسباب الحماية المحلية والدولية لها، وعدم ترك الأهالي وحدهم يصارعون أطماع الإحتلال وأهدافه وغاياته الخبيثة بشأنها ..

إنها مسؤولية وطنية ودولية تستوجب التحرك الجاد والمنظم والسريع والفعال لإحباط هذه السياسات الإحتلالية، لأن المس بهذه الآثار والمقدسات وخاصة المسجد الأقصى المبارك سيدفع بالصراع إلى أتون صراع ديني لن تحمدُ عقباه.

كلمات دلالية

اقرأ المزيد