ماذا عن الاقتصاد الإسرائيلي في معركة ثأر الأحرار؟

11 مايو, 2023 08:11 مساءً
د. ماجــــد أبو دية

شكل استشهاد الشيخ خضر عدنان تحديًا كبيرًا للمقاومة الفلسطينية، ولحركة الجهاد الإسلامي خصوصاً، استوجب الرد على جريمة الاغتيال، لوضع حد لسياسة الإهمال التي تتبعها سلطات الاحتلال تجاه أسرانا في سجونها، وصلت إلى درجة إزهاق أرواحهم واستشهاد بعضهم.

دارت جولة صراع لليلة واحدة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، وانتهت بتدخل الوسطاء العرب، على مبدأ الهــدوء مقابل الهدوء دون أية ضمانات، وواجهت قيادة الجيش وحكومة نتنياهو ضغوطا كبيرة من مواطنيها وخاصة سكان غلاف غزة، وأصبح الجيش في نظرهم فاقدًا لقوة الردع، ومدن الداخل المحتل بأسرها أصبحت تحت رحمة صواريخ المقاومة.

أدارت حكومة اليمين المتطرف التي واجهت تصدعات داخلية بين (بن غفير وسموتيرتش من جهة وبين وزير الجيش غالانت ونتنياهو من جهة اخرى)، هذا الموقف بالهروب نحو العودة لسياسة الاغتيالات، التي طالت قيادات الجهاد الإسلامي فقط في محاولة لتحييد حركة حماس من المواجهة كما حدث في جولة التصعيد التي اعقبت اغتيال الشهيد/ بهاء أبوالعطا وانتهت بالعودة إلى مبدأ الهــدوء مقابل الهدوء دون اية ضمانات.

بعد اغتيال قيادات كبيرة في قيادة المجلس العسكري لسرايا القدس، على رأسهم أمين سر المجلس العسكري جهاد الغنام، وخليل البهتيني وطارق عز الدين، فرضت على المقاومة الفلسطينية جولة جديدة من القتال، تتطلب من قيادة المقاومة تحديد بدقة مسار جولة الصراع وأهدافها، واستحضار شروط الهدنة، حتى لا تعود الى نقطة البدء.

على الصعيد الإسرائيلي:

يسعى الجيش الإسرائيلي لحصر المواجهة فقط مع حركة الجهاد الإسلامي، ليحافظ على توازن القوة لصالحة، وهو يستعرض قدرة الجيش على تصفية قادة كبار في الجناح العسكري، ومن جانب أخر تقديراته تقول أن الأداء الميداني لإطلاق الصواريخ سيكون ضعيف، ولن يصمد طويلاً، ثالثاً ستفتقد القيادة السياسية للجهاد إلى مطالب ثقيلة على حكومة نتنياهو، وستستجيب بسهولة لضغوط الوسطاء العرب، وتنتهى الجولة.

على الصعيد الفلسطيني:

بدأ المشهد مستفيداً من التجارب السابقة، من خلال اظهار حكمة كبيرة وضبط للنفس، ترجمت ميدانياً من خلال استنزاف أعصاب كل أفراد الكيان الإسرائيلي بثلاثون ساعة من الصمت، قبل بداية الرد الذي جاء من المنطقة الشمالية التي اغتيلت قياداتها بشكل متتالي وكان أخرهم الشهيد/حسن البهتيني، في رسالة واضحة أن منظومة العمل العسكري غير مرهونة باستشهاد أي مسؤول أو قيادي فيها.

التكتيك الأهم هو تصدر الجهاد الإسلامي إلى جانب باقي الأجنحة العسكرية للفصائل، جولة القتال مع العدو الإسرائيلي، الذي مازال مقتنع حتى اللحظة أن الجناح العسكري لحماس كتائب القسام غير مشارك في التصعيد، ويتجنب الجيش الإسرائيلي المساس بقياداته أو ممتلكاته حتى الآن، للحفاظ على نفس المستوى من وتيرة القتال الحالي.

وبرأينا هذا مفيد فلسطينياً، فأداء الجيش الإسرائيلي يظهر حتى الآن محدودية الاهداف التي يهاجمها، وانضمام حماس إلى المواجهة الحالية، يعني مستويات عالية من التصعيد، وقيام إسرائيل بتفعيل قاعدة تعظيم التكاليف في الحرب، وتكبيد الفلسطينيين خسائر في الأرواح والممتلكات تعيدهم سنوات إلى الوراء، لتثقل كاهل حركة حماس التي تتولى إدارة الحكم في قطاع غزة.

ما زال عدم الأخذ بالاحتياطات اللازمة سببًا في وصول الاحتلال لقيادات الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ما تسبب في جعلهم صيدًا ثمينًا يتغني به نتنياهو ووزير جيشه، لكنه في نفس الوقت أظهر جاهزية عالية، وانضباط كبير، من خلال الضربات الصاروخية التي تجاوزت القبة الحديدية، وحققت إصابات مباشرة في قلب المدن الإسرائيلية، وأبدى صمود وسيطرة وقدرة على مواصلة القتال.

إلى متى يستمر القتــال:

المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها سرايا القدس، حتى اللحظة تظهر سيطرة وقدرة عالية على المواصلة، من خلال استمرار الرشقات الصاروخية، التي طالت عمق المدن الإسرائيلية، وفي كل مرة بقوة أكبر، دفعت الجيش الإسرائيلي لأول مرة تفعيل منظومة مقلاع داوود العصا السحرية لإسقاط أحد الصواريخ الذي تجاوز القبة الحديدية وكان متجه مباشرة لمنطقة سكنية، وفي الرشقة رقم 33 التي أعقبت اغتيال الشهيد/ أحمد أبودقة في خانيونس، تلقى الجيش الإسرائيلي صدمة من نوعية الصواريخ المستخدمة لأول مرة وتسببت في تدمير مبني رحوفوت وايقاع قتلي وإصابات، وثلاث مباني في سيدروت، ومازال المجتمع الإسرائيلي يعيش حالة هلع وذعر من تاسعة البهاء المفضلة لمقاتلي سرايا القدس، ومازالت العديد من المنشآت الحيوية في إسرائيل في دائرة الاستهداف، بمعنى الغرفة المشتركة جاهزة لأيام من القتال.

وزير المالية الإسرائيلي سموتوريتش، وهو أحد الصقور في حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، يقول أنه إذا توقف القتال من غزة لا مصلحة لنا بمواصلة القتال، وبن غفير مازال مستبعد من الجسات الامنية الحساسة، ونتنياهو قلق من اطالة أمد المعركة، وغالانت يتسائل .. ماذا عن الاقتصاد؟ سكان إسرائيل في الملاجئ، والمدارس معطلة، وشركات الطيران تلغي مئات الرحلات الجوية، صفارات الانذار تدوي وسيارات اسعاف نجمة داوود الحمراء في جميع الأنحاء، وسماء إسرائيل تنتظر المزيد من القذائف الصاروخية، مليارات الشواكل هي خسائر الاقتصاد الإسرائيلي.

وهذا يدلل أن إسرائيل تفتقد إلى الأهداف في هذه الجولة من الصراع، وكانت تسعى فقط لضربة خاطفة تعيد الاعتبار للحكومة والجيش، والعودة إلى الهدوء مقابل الهدوء.

التهديدات القائمة:

نحن على بعد أيام فقط من مسيرة الاعلام التي ينوى المتدينون اليهود تنظيمها بالقدس وفقاً لمخطط مسارها التقليدي بحيث تمر في البلدة القديمة وصولا إلى باب الأسباط في المسجد الأقصى، يوم الخميس القادم 18/5/2023، وهذا تحدي جديد للمقاومة الفلسطينية، يدفعها التعامل معه من الان، إما بالضغط على إسرائيل للقبول بإلغائها، أو باستمرار القتال حتى موعد مسيرة الأعلام، لإجبار إسرائيل على إلغائها بسبب ظروف الحرب.

جثة الأسير خضر عدنان، والأسير وليد دقة بعد 37عام من تخفيف حكم الإعدام، قد يصبح ثاني أسير يعدم بصمت على سرير المرض، فلا يمكن أن تبقى المقاومة صامته، في حين أنها ردت على استشهاد الشيخ خضر عدنان برشقات صاروخية، وهذا يتطلب أن يكون ملف الأسرى برمته حاضراً في تفاهمات التهدئة لتجنب تكرار التصعيد.

التحديات التي تواجه المقاومة لتحقيق التهدئة:

1. إلزام اسرائيل بالتوقف فورًا عن سياسة الاغتيالات، ليس فقط في غزة، بل أيضًا في القدس ومناطق الضفة التي تستباح يوميًا، ويقتل فيها الشباب والفتيات والاطفال بدم بارد.

2. إلغاء مسيرة الأعلام، وكل مظاهر الاستفزاز من قبل الشرطة الاسرائيلية والمستوطنين في المسجد الأقصى.

3. الافراج عن جثمان الأسير الشهيد/ خضر عدنان، وناصر أبوحميد، ومحمد تركمان، وداوود الزبيدي، وسامي العمــور، وكمال أبو وعر، وسعدي الغرابلي، وبسام السائح، وبسام طقاطقة، وفارس بارود، وعزيز عويسات، وأنيس دولة، وكل الأسرى الشهداء في سجون الاحتلال الاسرائيلي المحتجزة جثامينهم.

مسؤولون في السلطة الفلسطينية مثل عزام الاحمد، يرون أن المنظمة لا علاقة لها بما يجري في غـزة، وهذا يتطلب من المقاومة الفلسطينية في غزة التي أخذت على عاتقها حماية الشعب الفلسطيني ومصالحه، أن تطالب اسرائيل بالتوقف فوراً عن الخصم من أموال المقاصة، وأن تعيد جميع الأموال التي قرصنتها سابقًا، وأن تسمح لجميع المواد والسلع المستوردة بالمرور عبر معبر كرم أبو سالم إلى غزة، والإفراج عن جميع المعدات الطبية ومعدات الاتصالات المحتجزة في المعابر الاسرائيلية، وأن يكون هناك ملحق اقتصادي خاص في اتفاق التهدئة يتضمن رفع القيود الاسرائيلية عن كل مفاصل الاقتصاد الفلسطيني.

اقرأ المزيد