أطروحة حل "الدولة الواحدة"

03 مارس, 2023 09:57 مساءً
عدلي صادق

منذ الآن، يمكن الانتقال الى الجانب الإسرائيلي، المرة تلو الأخرى، لكي لمعاينة أطروحة حل "الدولة الواحدة"، لكي نتتبع دوافع الأصوات اليمينية الصهيونية الأولى، التي طرحت على نفسها ـ وليس علينا ـ المفاضلة بين أحد خيارين: إما حل الدولتين، أو حل الدولة الواحدة. فالنزاع في المحصلة، لا يصح تأبيده، وبالتالي لا بد من حل، طال الزمن أو قصر!
كانت المرة الأولى، التي أفصحت فيها الصهيونية عن تخوفها من مآلات سياسة التطرف والعنصرية، وإنكار وجود ووجوب وجود شعب فلسطين، قد جاءت بلسان رجل من أبناء زئيف جابوتنسكي نفسه، الذي لقن "شباب حركة بيتار" الفكر الاحلالي الاقصائي الذي يسوّغ العنف الإرهابي. كان ذاك، هو يهود أولمرت، الذي أسقطه المتطرفون من خلال ثغرة مسلكية. وكان أولمرت ذاك، قد صرح في مؤتمر أنابوليس الدولي سنة 2007 قائلاً بالحرف:"إذا جاء يوم ينهار فيه حل الدولتين، سيكون علينا أن نواجه نموذج جنوب أفريقي من أجل المساواة في الحقوق المدنية، وبمجرد حدوث ذلك، ستنتهي دولة إسرائيل"!
بعدها، أصدر الكاتب الإسرائيلي إيال سيفان، مع الباحث إيريك حزان،  كتاباً بعنوان:"دولة مشتركة بين نهر الأردن والبحر"، اعتبر فيه الكاتبان  أن "تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين ليس حلاً بل مجرد خطاب تتبناه إسرائيل والسلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي والدول العربية" وقال الكاتبان إن ما يُقال عن حل الدولتين "يُضفي الشرعية على سياسة الاستيطان، وفي الوقت نفسه يبرر وجود السلطة الفلسطينية بالكيفية التي ثبتت عليها مرحلياً، والتي ستختفي حتماً إذا اختفى مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة الى جانب إسرائيل" واستطرد الكاتبان  "خصوصاً وأن المساعدة المالية التي تتلقاها السلطة من المجتمع الدولي "مشروطة بالبحث عن سلام دائم".
  وعلى إثر ذلك، توالت الأطروحات التي رأت في حل الدولة الواحدة، مخرجاً من المأزق لكل من إسرائيل والفلسطينيين. وكان المؤرخ الفرنسي دومينيك فيدال، أكثر وضوحاً، قبل نحو عشر سنوات حين ذهب الى القول في مقال طويل، إن  الأوضاع في إسرائيل ـ فلسطين، قد تتجه نحو الدولة الواحدة، لكن معظم القادة الإسرائيليين يستبعدون "منح عرب الضفة الغربية حقوق التصويت التي يتمتع بها اليهود، ما يعني ـ بعبارة أخرى ـ أنهم عندما يفعلون ذلك، إنما يستنسخون دولة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، التي ظلت تكابر حتى انهارت من داخلها تحت ضربات الواقع على الأرض!
  حيال مثل هذه الأطروحات وغيرها، نتساءل: ما الذي يطمح اليه المتطرفون العنصريون في إسرائيل، وما الذي يتخيلون أنهم سيصلون اليه؟!
  للجواب عن هكذا سؤال، سرعان ما يشعر المرء بأنه أمام حالة سيكولوجية مرضية، أصيب بها هؤلاء، وجعلتهم غير معنيين بالتفكير في ما يمكن أن يكون عليه المستقبل. فإن كانوا يريدون الضفة بلا شعب، فهذا رهان خاسر، لأن الشعب الفلسطيني متشبث بأرضه، وإن كانوا يعتقدون انهم قادرون على طرد السكان فهم واهمون، لا سيما وأن الجعة المقصودة للطرد، هي دولة ترتبط مع إسرائيل باتفاقية سلام راسخة، وإن كانوا يظنون أن تحشيد مليون مستوطن في الضفة، وتخليق حال الصراع اليومي الدامي، سيلبي لهم ما يريدون فهم عندئذٍ، ارتضوا على أنفسهم أن يدفعوا اليهود الى عمل انتحاري لن يلقى من الأمم سوى الإدانة ومن الشعب الفلسطيني المقاومة وسيؤثر على استقرار المنطقة التي يفاخر "الليكود" بأنه يتوسع في علاقاته السلمية معها.    
لفد ذهبت أوهام القوة والتفوق العسكري، الى شطط مُكلف، وعنفي لا يحتمله مؤيدو إسرائيل التاريخيين، ويمس مصالحهم وصدقيتهم. فقد أجهزت حركة الاستيطان في الضفة، على فرصة حل الدولتين الذي يصبح يوماً بعد يوم أقل احتمالاً، وبات على هذا الطيف المتمادي في التطرف، أمام احتمال حل الدولة الواحدة، وهو الصيغة التي لا يتقبل الإسرائيليون اليوم، رؤيتها في المستقبل، لكنهم لن يجدوا سواها، على ما فيها مما يجعل اليهود أقلية في دولة أرادوها يهودية خالصة، يغادر مستوطنوها من الساحل، قبل الذين سيغادرون من الجبل، حسب ما يرى كثيرون منهم!

كلمات دلالية

اقرأ المزيد