مسيرة الأعلام المصطنعة تعبير عن أزمة وجود

21 مايو, 2023 05:12 صباحاً
تمارا حداد

في كل عام يقوم الاحتلال الإسرائيلي بتفعيل نشاط مصطنع صهيوني وتقليد سنوي ابتدأ منذ العام ١٩٦٨ ومازال مستمرا حتى اللحظة وفي كل عام يزداد العدد بسبب التحشيد الإعلامي عن طريق منظمات الهيكل والأحزاب اليمينية المتطرفة لتعكس تطور الفكر العنصري كونها مسيرة عنصرية يتم فيها تحويل المنطقة المقدسة إلى ثكنة عسكرية وإغلاق المحال التجارية ويمنع فيها تجول الفلسطينيين إضافة إلى ارتباط هذه المسيرة برقصات واغاني ذات البعد المتطرف عبر عبارات ضد العرب وهتافات الموت ضد الفلسطينيين.

إضافة إلى حالة التأهب غير المسبوقة تحضيرا لاستكمال المسيرة وهذه إشارة إلى رعب وخوف المستوطنين رغم تمرير مسيرتهم دون رادع كون الهدف الاساسي من هذه المسيرة هو استفزاز الفلسطينيين وترسيخ وجود امام يقينهم ان الأرض المقدسية ليست لهم، لكن اصرارهم على تمرير المسيرة لارسال رسالة إلى الرأي الإسرائيلي الداخلي بأن العاصمة المقدسية موحدة لهم.

ان مسيرة الاعلام ليس مسيرة تعبر عن الرأي ولا استعراض قوة بل احدى أداة من أدوات الحرب الدينية والسياسية التي يقوم بها الاحتلال منذ العام ١٩٤٨ والتي هدفها تعزيز المشروع الديني وتعزيز دولة الهالاخاه التي يتم فيها تكريس الوجود الصهيوني عبر تغيير المعالم التاريخية والديمغرافية والجغرافية لمدينة القدس حتى اللحظة الحاسمة وهي بناء الهيكل الذي يعتبر هذا الهدف آخر المراحل لاستكمال القدس الموحدة.

ان مسيرة الاعلام أظهرت اضطراب الاحتلال وخوفه من اي رد على المسيرة وذلك من خلال قيامه على اتباع خطة تعمل على حماية المسيرة وكان اولها تحييد قطاع غزة بعد المعركة الأخيرة التي شنها الاحتلال على القطاع وأيضا حاصر الضفة الغربية ومراقبة المداخل الموصلة إلى القدس وتم تحييد فلسطيني الداخل المحتل من خلال عرقلة وصولهم إلى المنطقة المقدسة وأيضا إقرار منع رفع العلم الفلسطيني واعتبر أن من يرفع العلم مرتكبا مخالفة جنائية قانونية ناهيك عن نشر منظومات القبة الحديدية إشارة إلى تخوف المحتل وارتفاع منسوب التأهب تفاديا لأي تداعيات.

ان مرور مسيرة الاعلام دون رادع لا يعني الاستسلام فهو ليس من مسؤولية فصيل واحد أو بقعة جغرافية واحدة بان تقوم بمهام الدفاع الأول عن القدس والمقدسات، ان القدس مسؤولية الجميع وكل فرد فلسطيني موجود في فلسطين، وأن مسيرة الاعلام كان هدفها ترسيخ الرواية الصهيونية والتي كان من المفترض أن يكون هناك معارضة إعلامية لمواجهة الرواية الصهيونية من خلال تحشيد الفلسطينيين في البقعة المقدسية لتعزيز الوجود الفلسطيني وزيادة التأثير الشعبي كأداة لها وطأة لترسيخ الرواية الفلسطينية امام الصراع الحالي وهو صراع الوجود بين الفلسطيني والإسرائيلي، ان التأثير الشعبي من مسؤولية الفصائل التي لم تقم باللازم لتعزيز التواجد الفلسطيني في يوم مسيرة الاعلام كما أن مجابهة اي طارئ يقوم به الاحتلال يحتاج جبهة وقوة وطنية واحدة وليس جبهة متقطعة وهي مسؤولية الجميع بالتحديد المستوى السياسي الفلسطيني وهو المسؤول الأول عن مواجهة المحتل وعما يحدث في القدس إضافة إلى الدور العربي طالما يتغنون بها بأن القدس عربية إسلامية.

ان مرور المسيرة دون رد إشارة إلى ضعف الواقع الفلسطيني وان نكبة فلسطين لا تتمثل بنكبة ١٩٤٨ بل هناك نكبة الانقسام الفلسطيني الذي يعزز ضياع القضية الفلسطينية واضاعة الضفة الغربية لصالح الاحتلال من خلال ضمها تدريجيا وتعزيز خطة الحسم لسموتريتش الذي فند فيها بنودا ترسخ التهجير القسري وضم السكان المسالمين لدولة الاحتلال ومن يرفض الهجرة أو الاستسلام فنظام الاغتيال جاهز.

أما قطاع غزة بعد استمرار حالة الهدوء لفترة طويلة فإن القطاع هو مشروع الدويلة الصغيرة ففيها عناصر قيام دولة رغم صغر الموقع الجغرافي وهذا مكسب لسلطة حماس التي باتت حكما واقعا أقرب للمشروع السياسي الحاكم، وهذا يعني بالنسبة للاحتلال اذا لم ينجح مشروعها السياسي المستقبلي فإن القطاع سيبقى بين الفينة والأخرى يتلقى الضربات تحت حجة تهديدات الأمن القومي للاحتلال وتصدير الأزمات الداخلية له عبر حروب مؤقتة كما حدثت في عملية " درع وسهم".

ان الخروج من الحالة الفلسطينية الضبابية وامام غياب الأفق السياسي بعيد المدى هو ترسيخ الديمقراطية بين الضفة والقطاع على الأقل انقاذ ما يمكن انقاذه امام مخططات الاحتلال التي يتم تنفيذها بموافقة إقليمية ودولية لدمج الاحتلال كقوة إقليمية تؤثر على الجوار العربي ولا تتأثر به.

رغم قمة جدة قد يكون نتائجها إيجابية للم الشمل العربي ولكن هذه اللملمة ليست بعيدة عن ضوء اخضر امريكي إسرائيلي فبدل ترسيخ نظرية الحروب والصراعات الحزبية التي غيرت توازنات لم تكن بالحسبان أصبح الآن ترسيخ نظرية تحييد الحروب من خلال استخدام القوة الناعمة للتغلغل والدمج الاقل تكلفة واقل الخسائر البشرية وان لم تنجح القوة الناعمة لإعادة التوازن الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط فإن الحرب العالمية الثالثة قادمة لا محالة لحسم المعادلة لطرف من الأطراف المتنازعة أو لخلق نظام دولي جديد يتم فيه تقاسم مناطق النفوذ فيما بينها بعد الاتفاق والتوافق.

كلمات دلالية

اقرأ المزيد