السودان حرب الإخوة
24 ابريل, 2023 07:36 صباحاًمأمون هارون رشيد
في لقاء جمعني بالمستشار غازي صلاح الدين العتباني في الخرطوم ، وكان حينها مستشار الرئيس السوداني عمر البشير ، قبل أن ينسحب لاحقاً من حزب المؤتمر الحاكم ، كان حديثنا طويلاً عن الشأن الفلسطيني والسوداني ، والعلاقة بين البلدين والشعبين ، استرسل المستشار في شرح الوضع في السودان ، والصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية ، قدم شرحاً للحالة السودانية وتخوفاتة من إنفجار الأوضاع في أي وقت ، وذلك بسبب تدخلات خارجية وتقاطع مصالح البعض السوداني مع بعض الدول ذات المصالح والاطماع ، كان اللقاء منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً ، وقد حضر اللقاء السفير عمر شلايل ( ابورجائي )رحمه الله ، وكان سفيراً لفلسطين حينها في الخرطوم .
مياة كثيرة مرت تحت الجسور منذ ذلك اللقاء ، تغير وجه السودان ، صراعات كثيرة وطويلة ومضنية عصفت به ، تقسم السودان فأصبح سودانان ، جمهورية السودان ، وجمهورية جنوب السودان بعد انفصال الجنوب عن الوطن الأم ، صراع في دارفور كاد أن يفصلة عن الوطن الأم ، ولازال الاحتمال واردا حتى الآن وخاصة في ظل الصراع الدائر الآن .
رحل البشر بعد ثورة أطاحت به ، تحالف العسكر مع الشارع واطاحوا بالبشير ، ثم انقلبوا على الثورة المدنية واستولوا على الحكم ، تحالف الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان مع قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دنقلو ( حميدتي ) ، هذة القوة التي شكلها البشير لمواجهة الاحتجاجات ومحاولات الانفصال في دارفور ، تغولت هذا القوة وأصبحت جسما عسكرياً مواز للجيش الذي كان البشير يتخوف من ولائة الكامل له ، أصبحت طموحات حميدتي تهدد وحدة البلاد ، وعبئا أمنياً يؤرق مضاجع الجميع ، خاصة وأن هذا المكون أصبح له امتدادات وعلاقات خارجية ، وارتبط بدول لها مصالحها واجنداتها في السودان ، و لايعنيها الا مصالحها ونفوذها ولم تلتفت لمصلحة السودان وشعبة ، امتلئت خزائن حميدتي بالاموال بعد سيطرته على مناجم الذهب والنحاس والمعادن الأخرى ، وحتى اليورانيوم ، كانت عائدات تلك المناجم تصب في خزائن الدعم السريع دون المرور على خزينة الدولة ،
شهدت السودان الكثير من المحادثات واللقاءات والاتفاقات خلال العامين الماضيين ، في محاولة للوصول لاتفاق لإعادة الحكم من يد العسكر إلى الإطار المدني ، كان إتفاق الإطار الأخير الذي تم التوصل إليه قبل ظهور الخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع و انفجار الأوضاع ، كان هذا الإتفاق يضع خارطة طريق لانتقال الحكم إلى الحكم المدني ، ودمج قوات الدعم السريع إلى الجيش السوداني ، لكن اختلاف المصالح أدى إلى إنفجار الصراع بين الطرفين ، لازال الشعب السوداني هو من يدفع اثمان صراع قادتة الذين لا يهمهم الا مصالحهم والحفاظ على نفوذهم ، لازالت نيران الصراع العسكري المشتعل بين الطرفين يأكل الاخضر واليابس ، ويهدد وحدة التراب السوداني في ظل توجهات دارفور بالانفصال عن الوطن الأم ، وفي ظل ما يتمتع بة حميدتي قائد الدعم السريع من نفوذ كبير في الإقليم حيث تشكل عناصر القبائل العربية في دارفور عصب قوات الدعم السريع .
كان تخوف غازي صلاح الدين مستشار الرئيس البشير منذ ربع قرن تخوف في مكانة ، أن ما كان يخشاة قد وقع ، بل فاق توقعاتة ، نتيجة تصارع الدول ذات الأجندات والمصالح في السودان ، وها هو السودان المقسم بين شمال وجنوب مهدد بانفصال إقليم أخر إن لم يكن أقاليم ، والى دمار للسودان والبنى التحتية للبلاد ، ولتتفاقم معانة السودانيين المنهكين أصلا نتيجة الصراعات الطويلة ، ها هو يأكل نفسه مرة أخرى ، ويدفع من دم أبنائه وأمنهم ليشبع من ماتت ضمائرهم من قادتة المتحاربين الذين فقدوا حتى شرف الإنتماء لهذا السودان وشعبه الطيب .
صوت المدافع سيصمت يوماً ، وستتوقف طبول الحرب ، سيعود من بقى من الجنود إلى ذويهم ، لكن السودان لن يكون هو سودان اليوم ، قد يحتاج البعض لتأشيرات دخول ليصلوا إلى بيوتهم ، كثير لن يجدوا بيوتهم و ذويهم .
حمى الله السودان وأهله الطيبين