شخص اسمه دحلان
17 اكتوبر, 2021 03:51 صباحاًكتب...عدلي صادق
عندما انزوت الصحف الورقية معلومة العناوين، أفلت عيار النشر وغابت ضوابطه وانتقل الناس إلى شاشات الحواسيب والأجهزة الذكية، واختلط الغث بالسمين، وتساوى في اللعب صغار الفتية والطاعنون في السن والحكومات.
الخبريات تتطاير، ويزاحم الملفق منها الخبريات الصحيحة، ويرتبك سياق الإبلاغ عند العرب. وفي المشرق، حظي رجلٌ معيّن يُدعى محمد دحلان بنصيب وافر من الحكايات ونقيضها. هو نائب منتخب بأعلى الأصوات في مدينته، وعضو لجنة مركزية منتخب عند حركته. كان دوره السياسي في بلاده هو مصدر أهميته، ثم اتسعت هذه الأهمية عندما أصبح شغل حكومات أخرى وشاغلها، أن تلاحقه بالخبريات التي لا تُخبر عن واقع، ولا تخفف حجم تأييد الناس للرجل.
الغالبية العظمى من هذه الحكايات تستحث السخرية والعجب، وكثيرها لا يستحق الرد، ولا أن يكترث له العقلاء. فكيف يكون الرجل مظنوناً فيه بتدبير انقلاب في بلد ضخم لم يكن من زواره سابقاً، ولا هو من هواة السياحة؟ وكيف يمكن لفلسطيني أن يحرك 21 جنرالاً وألوف الأساتذة الجامعيين ومثلهم من رجال الدولة والجنود؟
معايير القياس عند أصحاب غرف الذباب بدت مختلة، تتعاطى مع عنوان دحلان باعتباره إعصاراً، بينما الرجل لا يحكم ولا يقرّر في مصائر دول. فكل ما في شأنه أنه كمئات الملايين سواه لا يريد لجماعة الإخوان أن تحكم في أي بلد، لأن حكمها يمزق النسيج الاجتماعي ويؤسس لنزاعات أهلية مفتوحة ويطيح بالعدالة.
غرف ذباب عباس الإلكترونية في فلسطين تخوض الغمار وتشتغل بالفرضية نفسها في مهاجمة الرجل البعيد، بينما هي من قريب تنخرط في العسس لصالح إسرائيل نفسها، جماعة الإخوان في تركيا ومن ورائها الحكومة وبؤساء السلطة الفلسطينية ومن ورائهم أجهزتها المتخاصمة مع الشعب؛ هم الذين ينشرون الخبريات وينشغلون بها، والأجدر بهم أن ينشغلوا بمآزقهم وبمداواة الشروخ التي تتكاثر. فمتابعو الإعلام الإلكتروني يعلمون الرجل المستهدف، ليس المعادل الموضوعي لدول ذات سيادة لكي يخاطبوها بما يزعجها، وبالتواء. لذا فإن هؤلاء معنيون بدراسة علم الإشاعة لكي يفهموا أن الخبرية العرجاء تضر أصحابها ولا تفيدهم، وإنما تنزع صدقيتهم، ثم تزيدهم إحباطاً. فبلاءات دنيا العرب كثيرة، والجماعة المسكونة بأوهام الحكم تشهد في هذه الآونة نزاعاً داخلياً على المال والاستثمارات وأصولها، وليس هذا إلا من أعراض الفشل. والأدعى إلى التأمل أن فرضية العلاقة مع إسرائيل، وليس غيرها، تكمن في جوهر القصص السخيفة. فهي التي يهجم بها البعض على الإمارات ودحلان، علماً بأنها ديدن تركيا، وما الإخوان إلا حلفاء وضيوف عند ذوي علاقات مفتوحة وعلنية مع إسرائيل، وعند متصلين بها سراً منذ سبعين سنة!
الأطرف، أن غرف ذباب عباس الإلكترونية في فلسطين تخوض الغمار وتشتغل بالفرضية نفسها في مهاجمة الرجل البعيد، بينما هي من قريب تنخرط في العسس لصالح إسرائيل نفسها، بلا مروءة وبلا سياسة وبلا أيّ مردود. فكيف يمكن أن ينجح مثل هذا الزن في إقناع الناس، بغير بيّنة أو قرينة، بأن دحلان هو مصدر القلق على هذا الصعيد؟
ربما يكون مديرو غرف الذباب الفلسطينيون مدسوسين على رئيسهم نفسه، ومكلفين بدفع أطراف فلسطينية أخرى إلى إفراغ كل ما في جعبتها عن تجاوزات عباس وقراراته وخلفياتها. لكن ما في الجعبة من النوع الذي يحبط الناس. والعقلاء يفضلون التزام الحيطة والتكتم، لكي لا يزداد شعب فلسطين إحباطاً.
إن تَرك كل شيء والتركيز على محمد دحلان هو دليل خلوّ أوقات هؤلاء من جداول الأعمال الوطنية، بل هو دليل على رُعبهم من الانتخابات العامة وخوفهم من الإرادة الشعبية، هم ـ في الواقع ـ محقون في خوفهم!