بندقية ناجي العلي.. أطلق ريشته تقاتل بالحبر الأسود
تاريخ النشر : 22 يوليو, 2023 10:06 صباحاً

فتح ميديا-غزة

في لحظة مجنونة مباغتة، انكسرت ريشة الفنان المبدع الفلسطيني، ناجي العلي، وإنطفأ بريق الإبداع  في الساعة 5:13 بتوقيت غرينتش، يوم الأربعاء 22 يوليو/ تموز 1987، حينما أوقف أبو خالد (ناجي العلي)، سيارته على رصيف الجانب الأيمن لشارع ايفز جنوب غرب لندن، حيث مقر جريدة القبس الدولية.. لم يكن ناجي يعلم أن قاتلا يترصده، وما أن اقترب من مخزن «بيتر جونز»، القريب من نقطة الاستهداف حتى اقترب منه القاتل الذي ارتدى سترة من الجينز والذي وصفه الشهود بأنه ذو شعر أسود أشعث وكثيف، وعندما سار في موازاته أخرج مسدسه وأطلق الرصاص باتجاه رأس ناجي العلي، بكاتم صوت تعددت الأصابع الضاغطة على زناده ؟!.

أصابع الموساد الإسرائيلي

اللافت.. أنه في 25 سبتمبر / أيلول 1997  قامت صحيفة «يديعوت أحرونوت » الإسرائيلية بنشر قائمة بعمليات اغتيال ناجحة ارتكبها الموساد في الماضي وتم ذكر اسم ناجي العلي في القائمة.. ونقلت معلومات إلى رئيسة الحكومة البريطانية ـ وقتئذ ـ مارغريبت تاتشر، أن السلطات الإسرائيلية كانت على علم مسبق بعملية الاغتيال، مما أثار غضبها، وقامت بإغلاق مكتب الموساد في لندن !!.

وفي 30 أغسطس/ آب 2017، وبعد 30 عاماً على رصاصات الغدر التي اغتالت «الريشة البندقية»، أعلنت الشرطة البريطانيّة فتح التحقيق مُجدداً في قضية الاغتيال، ثم لف الصمت كل شيء، رغم أن أيادي الموساد لم تكن خافية في العملية الإرهابية، خاصة وأن ناجي العلي كان ينتمي إلى حركة القوميين العرب التي قامت إسرائيل باغتيال بعض عناصرها، ومن بينهم الكاتب الصحفي والروائي الفلسطيني غسان كنفاني.

نبوءة ناجي العلي

كانت كلماته تحمل صدق النبوءة، تأسيسا على حقائق الواقع .. ذات يوم قال : «اللي بدو يكتب لفلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حاله: ميت»، لتتحقق كلماته، على صعيده الشخصي، وعلى صعيد صديقه ورفيق دربه، غسّان كنفاني، والفرق بينهما أنّ رصاصةً اخترقت رأس الأوّل، وقنبلة دمرت جسد الثاني.

كان يرسم بحامض الفسفور وعظام البشر !!

حاول كثيرون نصح العلي بتخفيف انتقاداته.. لكن ناجي العلي لم يكن ليكون غير ناجي العلي. وهكذا بدل من أن يهدأ، زاد انفعاله.. فقد كان الأكثر إبداعاً ..كان الأكثر عبقرية والأكثر موهبة بلا منافس، حول ريشته  لسلاح فتاك في معركة شعبه من أجل الأرض والعرض..كان مقاتلا بالحبر الأسود..وكان بحق «نبيّ» الخطوط السوداء.

له أكثر من 40 ألف لوحة كاريكاتورية ساخرة، مؤثرة وجريئة جداً تعبر عن الحالة السياسية السائدة في المنطقة العربية..وصفته مجلة التايم بـ  «الرجل الذي يرسم بعظام البشر».. وبينما وصفته صحيفة أساهي اليابانية بأنه «يرسم بحامض الفسفور» تعبيراً على صراحته الشديدة والمباشرة في رسوماته.

الرسم بنصل سكين استشهادي

ناجي كان يرسم بنصل سكين استشهادي، لا بريشة رسام.. كان نقده صارخا حادا وباترا، من خلال عدد محدود نسبياً من الشخصيات الكاريكاتوريّة: حنظلة – الوعي – و«الزلمة» الفلسطيني العادي الفقير والمحاصر ـ وفاطمة – والشخصيات ذات المؤخرات المنتفخة التي تمثل رموز الرجعية العربيّة.

موهبة إعادة تشكيل حدود الإبداع

أجمع النقاد .. أن مع كل رسم جديد، كان ناجي يكسر حدود الإبداع ويعيد تشكيلها من جديد، فتبدو أبعد مما يمكن لأي مبدع أن يحلم .. ومثلا، حين احتجت السفارة الأميركية في الكويت على رسومات ناجي العلي (في جريدة القبس الكويتية) وطلبوا منه أن لا يذكر اسم أمريكا مرة أخرى في رسوماته، عاد إلى بيته ورسم اللوحة المدهشة: (تسقط جارة كندا) .. وهكذا لم  تكن الموهبة الفذة أو العبقرية والإبداع وحدها سر جاذبية ناجي العلي ورسوماته فقط، بل، وربما أكثر أهمية، شجاعته الفائقة كذلك.