تظهر الوقائع الميدانية اليومية أن تزايداً ملحوظاً في الاعتداءات والجرائم التي ترتكبها عصابات المستوطنين وأبرزها «شبيبة التلال» و«تدفيع الثمن» ضد أبناء شعبنا الفلسطيني وممتلكاتهم وأراضيهم في كافة أنحاء الضفة الفلسطينية بدعم مباشر وحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي، والهادفة لإجبار الفلسطينيين على الرحيل وترك ممتلكاتهم ومزروعاتهم لمصادرتها وإقامة مستوطنات وبؤر استيطانية محلها.
مشاهد العدوان والجرائم التي تشنها عصابات المستوطنين في البلدات والقرى والريف الفلسطيني، خاصة في ترمسعيا وحوارة وعوريف وسنجل وجالود وغيرها، باتت ظاهرة يومية وتؤشر بوضوح أن دولة الاحتلال اتخذت سياسة جديدة تقوم على تجييش ميليشيات المستوطنين لشن حرب إبادة جماعية لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني من قراهم ومدنهم عبر إحراق بيوتهم وممتلكاتهم، والشروع في القتل وزرع الرعب في محاولة لتكرار نكبة عام 1948.
جرائم قطعان المستوطنين بحق الشعب الفلسطيني اليوم تُذكرنا بدور العصابات الصهيونية ومنها «البالماخ» و«الإرغون» و«الهاغاناه» و«شتيرن» وغيرها، في قتل وتهجير الشعب الفلسطيني إبان النكبة، والتي تعكس الفكر الإرهابي المتأصل في المشروع الصهيوني.
لم نعد أمام سياسات لحكومة نتنياهو الفاشية تنتهك قرارات «اتفاق أوسلو» فحسب بل بتنا أمام خطة إسرائيلية متكاملة الأركان لضم الضفة الفلسطينية عبر إجراءات قانونية وميدانية في استغلال جشع للحالة الفلسطينية المنقسمة والمشتتة، وأيضاً الحالة الإقليمية والدولية وخاصة سياسة الولايات المتحدة القائمة على النفاق السياسي، وخاصة بعد تفويض قضايا الاستيطان إلى سموتريتش بكافة الصلاحيات، إلى جانب إحالة إدارة أراضي الضفة بما فيها المستوطنات إلى ما يسمى «وزير الشؤون المدنية» أي إخضاعها للسيادة الإسرائيلية، ما يعني حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال وبما يستدعي القيام بحروب إبادة جماعية وعمليات تطهير عرقي.
ولن تكتفي حكومة نتنياهو بضم الضفة بل تتجاوز ذلك بخطوات وقرارات وسلسلة مشاريع تستهدف مناطق الـ48 والتي من شأنها تسهيل بيع أراضي الجليل لليهود حصراً في خطة متكاملة لتسريع تهويده بما يساهم في إضعاف الوجود الفلسطيني ويحوله إلى تجمعات متقطعة الأوصال يسهل الانقضاض عليه.
ولم تكتف حكومة الاحتلال بتوفير الحماية والدعم للمستوطنين في هجماتهم على المواطنين الفلسطينيين وبيوتهم وممتلكاتهم وحرقها، ومواصلة قوات الاحتلال القتل والغزو اليومي للبلدات والقرى الفلسطينية والزج بالفلسطينيين في معتقلاتها وزنازينها، بل تعدت ذلك بفتح قوات الاحتلال النار على الفلسطينيين المدافعين عن أراضيهم وممتلكاتهم في مواجهة إرهاب وجرائم المستوطنين. حيث تشير الإحصائيات الرسمية باستشهاد نحو (180) فلسطينياً منذ بداية العام برصاص الاحتلال.
فلسطين حبلى بمجريات الأحداث اليومية، وأصبحت أخبار هجمات المستوطنين واعتداءاتهم على الفلسطينيين حدثاً يومياً وهي في تزايد ولا تخلو نشرات الأخبار العربية والدولية منه.
في المقابل أمام تلك المعطيات الخطيرة إلا أن القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية ومن خلفها مركز القرار في اللجنة التنفيذية ما زالت في تجاهل تام لبرنامج حكومة الاحتلال القائم على الضم الشامل لأراضي الضفة ومعادلات حسم الصراع مع الشعب والقضية الفلسطينية، ولا تتعدى في سياستها حدود المناشدة والإدانات، وبالمقابل نجحت سلطة الأمر الواقع والتي تديرها حركة حماس في تحييد قطاع غزة وفك معظم روابطه السياسية مع الضفة، ما يقودنا إلى القول أن التلحف بالمقاومة كغطاء لها دون استراتيجية سياسية للمقاومة واضحة المعالم والأهداف من شأنها أن تحول المقاومة إلى شكل من أشكال الابتزاز السياسي، وغطاء لسياسات لا تبدو في جوهرها بعيدة كثيراً عن السياسات اليومية للسلطة الفلسطينية في الضفة.
ولا يمكن لحكومة السلطة الفلسطينية ولا أجهزتها الأمنية أن تبقى متفرجة أمام إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال المتصاعد، وأن تملأ الفراغ ببيانات إنشائية، فمهمتها تحمل مسؤولياتها الوطنية والسياسية والأخلاقية، في الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومصالحه وصون كرامته الوطنية وحماية أمنه في مواجهة الهجمات الوحشية لقطعان المستوطنين وقوات الاحتلال، وهذا يتطلب تسليح شعبنا في كافة أراضي الضفة وتشكيل فصائل المقاومة الوطنية في كافة الأحياء والقرى والمدن والمخيمات شريكاً مع الأجهزة الأمنية للسلطة في الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين.
وختاماً، إن مواجهة قرار حسم الصراع مع شعبنا يستدعي القيام بخطوات تستجيب للتحديات والوقائع الميدانية الجديدة، في مقدمتها ضرورة رسم استراتيجية نضالية لتطوير المقاومة الشعبية والمسلحة وبما يضمن بناء مركز قيادي لها وتوفير لها الإمكانات والأدوات ويعزز تماسكها وقدرتها على مواجهة التحديات الأمنية الداخلية والإسرائيلية، ومواصلة النضال لتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي لـ م.ت.ف، وبسط سيادة دولة فلسطين على كامل الأراضي المحتلة بعدوان 67 والدفاع عنها وحمايتها والتعاطي مع دولة الاحتلال أنها دولة عدوان وهي في حالة حرب مع شعبنا وسلطته، ورسم آليات مؤسساتية لتجسيد وحدة الأرض، وحدة الشعب، وحدة القضية والنضال الوطني وبما يجسد شعار «وحدة الساحات والجبهات» في أراضي 48 + 67 + بلدان الشتات وبما يعيد الاعتبار للبرنامج الوطني المرحلي .