يعتبر اللقاء الذي جمع بين سلطان عمان هيثم بن طارق والمرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي المحطة الأبرز ولعلها الأساس في هذه الزيارة التاريخية لما لها من انعكاسات مفترضة على أوضاع المنطقة والعلاقة بين إيران وجوارها العربي، إضافة إلى ما يمكن أن تسفر عنه في ما يتعلق بمسار التفاوض بين طهران وعواصم "الترويكا" الأوروبية والولايات المتحدة حول أزمة الملف النووي ومساعي إحياء الاتفاق النووي بصيغة وآلية جديدة ربما تختلف عن الاتفاق السابق الموقع عام 2015، وقد تتجاوز مفهوم الاتفاق الموقت الذي سعت هذه العواصم إلى تمريره في المرحلة السابقة.
هذه الزيارة التي انتظرتها طهران بكل قياداتها منذ مطلع العام الحالي، بخاصة بعد الزيارة المفصلية التي قام بها وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) 2022، وكشف فيها عن تفويض إيراني للسلطان العماني باعتماد الرؤية أو الصيغة التي يجدها مناسبة من أجل إعادة إحياء المفاوضات حول الاتفاق النووي، تأخذ هذه المرة بعداً آخر إلى جانب البعد النووي وما يمكن أن يكون في جعبة الضيف العماني من تصورات وحلول وآليات قد تتكشف في المرحلة المقبلة التي يبدو أنها ليست بعيدة.
ما يمكن التوقف عنده في زيارة السلطان هيثم بن طارق، تحديداً في محطة اللقاء مع المرشد الأعلى، البعد الجديد في السياسة الإيرانية ذات الطبيعة الإقليمية وما يتعلق بالمسار الذي بدأته طهران بالانفتاح على دول الجوار العربي والذي توج وشكّل مفتاح الانطلاق بالاتفاق الموقع بين الرياض وطهران برعاية صينية في الـ10 من مارس (آذار) الماضي، وما أسهم فيه من خلق تحول أو متحول في المنطقة وأزماتها ونقلها إلى مرحلة جديدة تقوم على أساس حسن الجوار وتوسيع مساحات التفاهم والحوار والبحث عن المصالح الوطنية والإستراتيجية.
كلام المرشد الإيراني عن ترحيبه بالرسالة التي حملها الضيف العماني الاستثنائي كانت حول ما يتعلق بإعادة تطبيع العلاقة بين إيران ومصر واستغلها المرشد الإيراني ليؤسس لمرحلة جديدة مختلفة تساعد على إعادة بناء هذه العلاقة وإيصالها إلى النتائج الإيجابية بعد محاولات فاشلة أو جهود أفشلت في السابق نتيجة الصراعات الداخلية، بخاصة في اللحظة التي شعر فيها التيار المحافظ المتشدد بإمكانية حصول اختراق في جدار هذه العلاقة في زمن رئاسة الرئيس الأسبق محمد خاتمي واللقاء الذي جمعه مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك في يناير (كانون الثاني) عام 2003 على هامش قمة المعلوماتية في مدينة جنيف.
إلا أن الأهم في موقف خامنئي الإشارة التي أكد عليها في كلامه حول مصر على النتائج الايجابية للاتفاق مع السعودية، مما يكشف أن القيادة الإيرانية أدركت بالفعل وبالحقيقة أن أي انفتاح على الدول العربية لن يكون ممكناً وقابلاً للاستمرار والبقاء ما لم يكن آتياً عبر البوابة السعودية، فالمحاولات الإيرانية للانفتاح على مصر وقياداتها، في كثير من المراحل واللحظات التاريخية في أزمات المنطقة، بخاصة ما يتعلق بأزمة قطاع غزة وحروبه المتكررة مع إسرائيل، لم تتجاوز اللقاءات البروتوكولية ولم تؤسس لخرق حقيقي في جدار القطيعة القائم بينهما منذ عام 1980، فلا زيارة رئيس البرلمان الأسبق علي لاريجاني في 2009 واللقاء مع الرئيس مبارك نقل العلاقة إلى مستويات جديدة، ولا الاندفاعة التي قام بها الرئيس محمود أحمدي نجاد على رغم إسلامية السلطة المصرية آنذاك، استطاعت تغيير الموقف المصري الذي بقيت الدولة العميقة تربطه بموقف الرياض من أي متغير إستراتيجي على مستوى الإقليم.
هذا الإدراك لحجم الدور والموقع السعودي في المعادلات الإقليمية والعربية لمسته القيادة الإيرانية من نتائج الاتفاق الذي وقعته مع الرياض، وأدركت أيضاً أن المدخل لأي حلول إقليمية أو اعتماد سياسة انفتاح على الدول العربية لا بد من أن يمر عبر الرياض وموقفها ورؤيتها للمصلحة الوطنية والعربية، وهو ممر كان إلزامياً وتعززت أهميته في التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة سواء في ما يتعلق بالعلاقات العربية - العربية أو العربية - الإقليمية والدولية.
الموقف الإيجابي الذي أعلنه المرشد الإيراني والرغبة الإيرانية في إعادة العلاقات مع مصر، من المفترض أن يتحولا إلى مسار سياسي ملزم للدولة الإيرانية، بخاصة من خلال الإشارة التي تحدث فيها عن جهود ودور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي لعبه في تطبيع العلاقة وإعادتها مع السعودية، وهذا الموقف من المرشد يعني أو يكشف عن أن إدارة ملف العلاقات الإقليمية للدولة الإيرانية اتخذت مساراً مختلفاً في هذه المرحلة بانتقاله من المجلس الأعلى للأمن القومي إلى وزارة الخارجية ودوائر الدبلوماسية الرسمية للدولة، بخاصة بعد إخراج علي شمخاني من موقع الأمين العام لهذا المجلس بعد تحقيقه للإنجاز التاريخي في الاتفاق مع السعودية وبعده مع الإمارات العربية المتحدة والعراق.
هذا الانتقال في إدارة الملفات الدبلوماسية وسياسة الانفتاح على المحيط العربي، وأيضاً على المجتمع الدولي، الذي من المفترض أن يأخذ مساراً تصاعدياً في حال العودة لطاولة التفاوض مع واشنطن و"الترويكا" الأوروبية حول أزمة الملف النووي، لن تكون بعيدة من مراقبة وإشراف المرشد الأعلى، على رغم إمكان القول بالانتصار الذي حققه رئيسي في معركة استعادة صلاحيات الحكومة والسلطة التنفيذية التي يرأسها من المجلس الأعلى للأمن القومي، واستمرار إشراف المرشد ورعايته المباشرة لهذه المسارات، مما يهدف إلى منع دخول أو وضع العراقيل في طريق الوصول إلى أهداف هذا الانفتاح، بالتالي منع الحكومة من الوقوع تحت ضغوط المتشددين الرافضين لهذا المسار وحماية هذا التوجه من أي انتكاسة قد تعترضه.