طالعتنا وسائل الإعلام المختلفة في الأيام الماضية؛ بأخبار وتصريحات وتقارير، شملت تقريبًا كل الطبقة السياسية والعسكرية في إسرائيل، كلها تتعلق باستعداداتٍ وتحضيراتٍ لها صلة بالمشهد الميداني في الإقليم، وجميعها يحاول أن ينقل للمتابعين أن الجيش الإسرائيلي على أعتاب شن حربٍ هجوميةٍ على إحدى الجبهات أو على جبهاتٍ متعددة، ويتزامن الأمر مع مناوراتٍ عسكريةٍ يجريها أكثر من طرفٍ على جبهةٍ لم تتوقف سخونتها منذ ما يزيد عن ثلاثة أرباع قرن، فهل نحن على أعتاب حربٍ واسعة النطاق قريبًا؟
تناور إسرائيل بأكثر من أداة فعلٍ في جبهاتٍ عدّةٍ خلال السنوات الماضية، وما تزال تُنفّذ أنشطتها العسكرية في أكثر من صعيد، فالضغط السياسي والإعلامي والدبلوماسي منصبٌ على جبهة إيران ومشروعها النووي وبرنامجها التسليحي، خصوصًا في مجال الصواريخ، وتشن غاراتٍ من وقتٍ لآخر في العمق السوري وليس فقط على المناطق الحدودية، وتهدد وتتوعد حزب الله في لبنان، وتراقب حدودها مع كلٍ من مصر والأردن على مدار الساعة، تحسبًا لأي طارئ قد يحدث في أي لحظة.
تتهيأ إسرائيل باستمرار للتعامل مع أي تطوراتٍ تشمل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، وتواصل حصارها لقطاع غزة، مصحوبًا بتصعيداتٍ عسكريةٍ واغتيالاتٍ وقصف بالطائرات الحربية من حينٍ لآخر، وتقتحم مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية في نطاقٍ عملياتيٍ يحقق لها الردع الذي تريد دون مساعدةٍ من أحد، وتؤسس لملامح المرحلة القادمة في الضفة الغربية، والتي تشمل ضم الجزء الأكبر من أراضيها، مع الاستمرار في برنامج تهويد القدس، والتعامل معها على أنها عاصمة إسرائيل الأبدية، والشروع في التقسيم الزماني والمكاني في باحات المسجد الأقصى.
تتابع حكومة نتيناهو عن كثبٍ أمرين في غاية الأهمية بالنسبة لها: الأول هو الخطر الاستراتيجي المتمثل في تنامي قوة ونفوذ وتأثير إيران، بما يمثّل طوقًا حولها، من جهة لبنان وسوريا وقطاع غزة، ضمن تحالفاتٍ عميقةٍ عنوانها الأبرز مواجهة إسرائيل عسكريًا، والتطور اللافت في العلاقات السعودية الإيرانية، وهي تطورات قادت إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين البلدين، وما يتركه الأمر على شبكة العلاقات الإقليمية المعقّدة أصلًا، إلى جانب التطورات اللافتة في علاقة الإقليم بالعالم، حيث تضارب المصالح، وتبدّل حرائط التحالفات، وإعادة تشكّل النظام الدولي بدخول لاعبين جدد وطامحين إلى تصدّر منظومة العلاقات الدولية التي ظلّت رهينة النفوذ الأميركي لأكثر من ثلاثة عقود.
يرغب نتنياهو، ومنظومة حكومته المعقّدة للغاية، في ظل ارتهانه لرغبات وطموحات اليمين المتطرف، الذي يشكّل عماد حكومته، في استكمال ولاية الحكومة عبر ابقاء التحالف الذي يضمن له أكثرية في الكنيست، ويخضع في هذا لابتزازٍ صارخٍ ومكشوفٍ للكتل اليمينية، ويواصل مشروعه الخاص بالتغييرات العميقة في المنظومة القضائية، بما يسمح له أن يناور لأطول فترةٍ ممكنةٍ بعيدًا عن قاعات المحاكم التي قد يعقبها دخوله السجن، وأن يُجنّد أنصار اليمين بصورةٍ أكبر في الشوارع لتكون المضاد الفعّال في وجه التظاهرات الأسبوعية التي ينظمها اليسار ويمين الوسط رفضًا لأي تغييرات في البنية القضائية في إسرائيل، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف؛ يواصل نتنياهو محاولات حرف الأنظار، من خلال تهويل الأخطار المحدقة بإسرائيل من جهة، وافتعال الأزمات من جهةٍ أخرى، وتنفيذ بعض النشاطات الاستخبارية أو العسكرية من جهةٍ ثالثة، لتبقى عناصر المبادرة على الدوام في يده، ويواصل مناوراته دون حدودٍ زمنية، وبعيدًا عن توقعات خصومه الذين يستعدون للانقضاض عليه في كل لحظة.
تسخين الجبهات "إعلاميًا" ... ماذا يريد نتنياهو؟
تاريخ النشر : 25 مايو, 2023 01:12 مساءً