فتح ميديا - وكالات:
احتلت فكرة اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وترحيلهم للأقطار المجاورة، وهو ما أطلق عليه في مرحلة لاحقة "النكبة"، مكانة بارزة لدى القيادة الصهيونية، ولدى مراجعة الوثائق والأدبيات المتاحة تتبين مكانة فكرة الترحيل في الفكر والتخطيط والعمل لديها، كحلّ لما أطلق عليه "المسألة العربية" في فلسطين.
لقد استدعى الاستيلاء على الأرض الفلسطينية فكرة الترحيل، لذلك لم يكن تهجير أهلها فكرة ثانوية في أذهان الآباء المؤسسين الصهاينة؛ بل ثمة الكثير من الشواهد، التي تشير أنهم، وفي معرض الإفصاح عن خططهم المستقبلية فكّروا بتهجير واقتلاع وترحيل فلّاحي فلسطين بانتظام، وإعادة توطينهم في البلدان المجاورة، لتمهيد الطريق أمام قيام المشروع الصهيوني، وهو ما ذكره الباحث نور الدين مصالحة في كتابه "طرد الفلسطينيين 1882-1948".
منذ البداية تمثّل الحلم الصهيوني في دولة لليهود فقط، حتى قبل إعلان "إسرائيل" وقيامها، ولم يغادر هذا الحلم مخيّلتهم، وإذ لم يعلنوا عنه لضرورات تكتيكية، مع الكثير من المواقف المعلنة التي تعدّ قاعدة راسخة لموقفهم الواضح في التسبب بمشكلة اللاجئين.
قوة السيف
من ذلك ما أعلنه "تيودور هرتزل" الأب الروحي للحركة الصهيونية بزعمه أن "الدولة اليهودية ستقوم بالاستيلاء على الأراضي العربية، وشن حرب إبادة ضد السكان الأصليين"، فيما أكد "يسرائيل رنغويل" المنظر الصهيوني الشهير، أنه "لا مفر من إجلاء العرب، ونقلهم للبلاد المجاورة بقوة السيف".
أما "مناحيم أوسيشكين" رئيس مجلس إدارة الصندوق اليهودي، فدعا "للاستيلاء على الأراضي العربية بالقوة، وترحيل أهلها للبلاد المجاورة، بزعم أن المشروع الصهيوني "أعلى وأنبل" من المحافظة على مئات الألوف من الفلاحين العرب".
لكن الكاتب "أبراهام شارون" كان الأكثر وضوحاً واستجلاءً للأهداف اليهودية، بنشره مقالاً في 1930 بعنوان "الإمبريالية العربية" ذكر فيه أن "الحل الذي يراه يتمثل بنقل العرب للدول المجاورة، وتفريغ فلسطين لاستيعاب اليهود الجدد القادمين إليها".
في مرحلة لاحقة من القرن التاسع عشر، أعرب البارون "إدموند روتشيلد" الممول الرئيس لمشاريع الاستيطان، عن استعداده لتقديم العون للعرب الذين يغادرون فلسطين للعراق نهائياً.
ودعا "فلاديمير غابوتنسكي" الزعيم الصهيوني لترحيل العرب من فلسطين، مؤكداً أن "الدولة اليهودية ستقوم بترحيلهم الإجباري، لتجسيد الغالبية اليهودية برعاية القوة، ومن وراء جدار حديدي لا يقوى السكان المحليّون على تحطيمه".
إحلال المستوطنين
وقدّم الناشط الصهيوني "فايتسي" ورقة لقيادة الحركة الصهيونية، بعد شهور من صدور تقرير لجنة بيل الملكية عام 1937، قال فيها إن "تهجير الفلسطينيين لا يهدف لإنقاص عددهم فحسب، بل يتطلع لإفراغ الأراضي الزراعية منهم، و"تحريرها" لصالح الاستيطان اليهودي، وإن السبيل الوحيد لذلك هو اقتلاعهم من الجذور"، وهو ما ذكره عبده الأسدي في بحثه العلمي عن قضية اللاجئين.
على الصعيد العملي، عمل "بن غوريون" طيلة حياته السياسية لإنجاز هدف طرد العرب من فلسطين، واعتبر في جلسة لإدارة الوكالة اليهودية في حزيران 1938 أن "نقطة الانطلاق والمخرج لحل مسألة العرب في الدولة اليهودية تكمن بإخراجهم منها"، وفقا لما كشفه في المجلد الرابع من مذكراته.
أما "بيرل كتسنلسون" منظّر اليسار الصهيوني، فقد شارك "بن غوريون" في آرائه حول موقفه من طرد الفلسطينيين وترحيلهم، زاعما أنه "لم يدر بخلدي أن نقلهم خارج "إسرائيل" سيكون بجوار نابلس، فقد آمنت، وما زلت أؤمن، بأنهم سينقلون في المستقبل إلى سوريا والعراق"، كما جاء في منشورات حزب العمال الإسرائيلي في العام 1962.
يمكن اعتبار المؤتمر الصهيوني العشرين في زيوريخ 1937، أول مؤتمر يبحث فكرة التهجير، بالتركيز على أهمية الفكرة تحت عنوان تبادل السكان، ولدى مراجعة الوثائق الصهيونية، يتبيّن تزامن ظهور فكرة الترحيل مع نشوء المستوطنات الأولى في فلسطين.
يذهب بعض المؤرخين أبعد من ذلك، للقرن السابع عشر، عندما قدم البريطاني "ادوارد ميتفورد" عام 1845 مذكرة لحكومته "يطلب فيها إعادة توطين اليهود في فلسطين بأي ثمن، مقترحا إجلاء الوجود البشري الفلسطيني، وتوطينهم بأجزاء أخرى من الدولة العثمانية"، كما ذكر أمين محمود في كتابه عن الاستيطان اليهودي منذ الثورة الفرنسية حتى نهاية الحرب العالمية.
في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات، أصبح النهج القائل بوجوب ترحيل الفلسطينيين، ركيزة أساسية استندت إليها الخطط الصهيونية، كما ظهرت أصوات مثل "روتشيلد وجابوتنسكي" تنادي بترحيلهم للعراق، وليس إلى سوريا وشرق الأردن، بزعم أن هذه المناطق جزءً من أرض "إسرائيل".