أراد نتنياهو تحقيق نصر سريع يعيد له شعبيته في أوساط الكيان، باغتيال بعض من قادة الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ليظهر أمام جمهوره بالبطل القادر على هزيمة غزة، ولكن غزة كما في كل معركة تخرج من حصارها ومن ويلات معاناتها ومحاولات ذبحها وقتلها، أكثر قوة وجدارة بالحياة.
في عملية مباغتة نفذت إسرائيل عمليتها الجبانة والتي راح ضحيتها نساء وأطفال ظنوا بأنهم آمنين في بيوتهم والساعة بعد انتصاف الليل. وليست هذه المرة الأولى كما وأنها ليست المباغتة الأولى التي ينفذها الاحتلال، فعديدة هي عمليات الاغتيال، وعديدة هي الجرائم التي ينفذها المحتل بين البيوت والأحياء السكنية في ساعات الليل وقبيل الفجر، حيث الناس في بيوتهم نائمين، لكنهم غير آمنين في غزة التي تنزف ألمًا لكنها لا تُهزم.
وبالعودة إلى الأيام الأربعة الماضية، فإن الأحداث تسير بتدحرج وبتصاعد له تبعاته، وهي تضع قواعد جديدة لم تكن ظاهرة في السابق، خاصة وأن حركة الجهاد الإسلامي التي أراد الاحتلال أن يهاجمها ويقاتلها بمعزل عن بقية الفصائل، رغبة منه في تحقيق نصر سريع يلبي طموحات نتنياهو، كانت عصية على الصمت، فردت الصاع بقوة لم تكن المؤسسة العسكرية تعتقد أنها ستصل إليها، خاصة بعد أن وصلت صواريخها إلى مستوطنات بمحيط القدس، الأمر الذي وضع نتنياهو وأركان حربه في حالة مخزية أمام جمهور حزبه وأمام الأحزاب الأخرى.
الحرب التي أرادها نتنياهو وقادة الاحتلال عبر سلسلة الاغتيالات التي استهدفت قادة الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، كحرب محدودة سريعة وخاطفة وقادرة على رفع شعبية حكومة الاحتلال التي تواجه معارضة شديدة، ويتهددها السقوط وتفكك ائتلافها العنصري، بفعل المعارضة الداخلية، لكن على ما يبدو أن أجندة نتنياهو فشلت وأخطأت حين أقدمت على تلك الخطوة الآخذة بالتصاعد، وبوتيرة منضبطة على دقة ساعة البهاء.
العدوان المستمر على غزة، والذي قد يتصاعد بشكل دراماتيكي مع كل لحظة، وتتسع رقعة المواجهة بفعل فشل الاحتلال حتى اللحظة من تحقيق نصر ولو على ورق، وبالتالي فإن نتنياهو يصرّ على المضي بعدوانه إلى أن يحصل على الفرصة المناسبة ليصدق وهم الانتصار، وفي ذات الوقت فهو يعلم أنه يواجه فصيل واحد، فكيف سيكون حاله إن توحدت كافة فصائل المقاومة، ووجهت أسلحتها معًا للرد على جرائم الاحتلال وعدوانه.
ما خطط له الاحتلال ونتنياهو وما أراد أن يحققه من وراء هذا العدوان، انقلب عليه، وأصبح صفعة قوية ولطمة وجهت بقوة وحزم، وهذا سيكون له الأثر على مستقبل نتنياهو السياسي، وبالتالي فإن أركان حكومته سترفع من وتيرة المواجهة، وقد بدأت تغير من خططتها خاصة بعد أن وصلت صواريخ المقاومة المستوطنات المحاذية لمدينة القدس وتل أبيب.
حكومة نتنياهو قد تقدم على خطوات أكثر غباءً، وقد تستهدف قيادات أعلى ومن مستويات سياسية رفيعة، وهذا ما أشار إليه البعض وما توعد به، إلا أن إقدامها على مثل تلك الخطوة سيرفع من وتيرة المواجهة، وسيزيد من حجم ضربات المقاومة.
نتنياهو وحكومته في مأزق الآن، وهو يسعى بما استطاع من خبث أن يخطف لحظة نصر كاذب، يضلل بها جمهور مؤيديه، ويسوق الوهم أمام معارضيه، ولن يحقق أبعد من ذلك.