أثار الاتفاق الأخير بين الصين والبرازيل للتجارة بعملاتهما المتبادلة بدلاً من استخدام الدولار الأمريكي كوسيط، مناقشات حول إمكانية الحد من الاعتماد على العملة الأمريكية وتطوير أنظمة مالية بديلة. والنقاش الدائر حالياً داخل مجموعة بريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، حول إمكانية إطلاق عملة بديلة خاصة بها للتجارة يُنذر بخطر كبير على الدولار.
أبرز ارتفاع سعر الدولار الأمريكي خلال العام الماضي الحساسية الاقتصادية للأسواق الناشئة لمعدلات الفائدة الأمريكية المتسبب الرئيسي لارتفاع أسعار الدولار في هذه الفترة، وهذا الموضوع كنت قد ناقشته العام الماضي في إحدى حلقات محتوى "مع دلياني" بمنصة "بالعربي" على اليوتيوب، ولخّصت الأمر بتساؤل: لماذا ادفع انا ثمن ارتفاع نسبة الفائدة في الولايات المتحدة وأنا في القدس وليس لي كلمة او حق بانتخاب او الاعتراض على من يتخذ قرارات اقتصادية تؤثر على حياتي الشخصية؟ هذه الحقيقة تنطبق على العالم بأسره مما يثار قلقًا بشأن اعتماد دول كثيرة على الدولار الامريكي، وعلى رأسها دول مجموعة البريكس. كما أوضحت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا ردًا على الحرب في أوكرانيا، قوة الولايات المتحدة وأوروبا في النظام المالي العالمي بشكل كبير مما يجعل دول العالم تدفع ثمن قرارات سياسية ذات أوجه اقتصادية تتخذها الولايات المتحدة وتتبعها، كالعادة، الدول الاوروبية. هذه الحقيقة دفعت العديد من الأسواق الناشئة إلى السعي لتحقيق نظام مالي مستقل. ومن هذا المنطلق تسعى دول بريكس الى تطوير عملة احتياطية جديدة تعتمد على سلة من العملات دولها الأعضاء. وقد أعلن وزير الخارجية الروسي أن المسألة ستناقش في قمة بريكس القادمة في جنوب أفريقيا في شهر آب القادم.
حالياً، يتم اعتماد اليوان الصيني ببطء في المزيد من المدفوعات الدولية، وهو ما يمهد الطريق لنظام تجاري جديد يمكن أن يعمل بالتوازي مع الدولار الأمريكي. وتُظهر البيانات الحديثة أن المزيد من التعاملات العابرة للحدود مع الصين يتم تسويتها باليوان الصيني. في آذار الماضي بدلاً من الدولار، ولأول مرة، أعلنت الأرجنتين أنها ستدفع بانتظام ثمن السلع الصينية باليوان بدلاً من الدولار.
وأجبرت العقوبات الغربية على روسيا بسبب الحرب مع أوكرانيا إلى جعلها رابع مركز لتداول اليوان خارج الصين. واليوم يشكل اليوان 40 إلى 45% من سوق العملات في روسيا مقارنة بأقل من 1% قبل الحرب في أوكرانيا.
ولكي نبقى واقعيين فإنه وبالرغم من زيادة العامل باليوان الصيني في تمويل التجارة العالمية إلى نسبة 4.5% في شباط الماضي مقارنة بـ 1.3% منذ عامين، وبالرغم من سعي دول البريكس للتداول بعملة خاصة بهم، إلا أنه لا يزال الدولار الأمريكي يشكل 84% من تمويل التجارة العالمية. وإذا انضمت المملكة العربية السعودية إلى مجموعة بريكس كما هو متوقع، فيزيد ذلك من تقويض الدولار الأمريكي ويحد من الاستمرارية بالتحكم بتمويل التجارة العالمية إلى حد كبير جداً مما يُضعف الولايات المتحدة اقتصادياً و بالتالي سياسياً إلى حد كبير.