فلسطينيون يتذكرون ويتمسكون بالعودة
تاريخ النشر : 04 مايو, 2023 07:38 صباحاً

فتح ميديا - وكالات:

بعد 75 عاماً من النكبة الفلسطينية، لا تزال صور المنازل التي هجروها ماثلة أمام عيون الفلسطينيين، مثل أمينة الدبعي التي تصف مدينة اللد حيث ولدت في 1934 بـ"عروس جميلة".

الدبعي واحدة من 5.9 مليون لاجئ فلسطيني يتوزعون اليوم بين الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة، وبين قلة لا تزال على قيد الحياة من 760 ألفاً فروا من حرب 1948 التي اندلعت إثر إعلان قيام دولة إسرائيل.
وحسب منظمة زوخروت "ذاكرات" الإسرائيلية هناك 600 بلدة وقرية فلسطينية دُمّرت أو هُجرت خلال تلك الحرب.
ويحيي الفلسطينيون ذكرى النكبة في 15 مايو (أيار) من كل عام، بينما يحتفل الإسرائيليون قبلها بيوم بذكرى تأسيس دولتهم.

ذكريات

بعد 75 عاماً من النكبة، تستذكر الدبعي كيف "كنّا نعيش مرتاحين" في اللدّ التي أصبحت اليوم مدينة كبيرة مختلطة في وسط إسرائيل.
وتصف نافورة مياه كبيرة تتوسط سوق المدينة وتحيط بها المتاجر.
ولا تزال أحداث اللد في 12 و13 يوليو (تموز) 1948 عندما اجتاح الجيش الإسرائيلي المدينة، محور جدل اليوم، إذ يتحدث الفلسطينيون عن طرد قسري، ومجازر  ضد مئات المدنيين والمقاتلين، بينما يقول الإسرائيليون إن "النزوح كان طوعياً".
لكن المؤكد أن المدينة خلت من كل سكانها الثلاثين ألفاً في يوم واحد.
وتعود الدبعي بذاكرتها إلى اليوم الذي "هاجم فيه اليهود البلد"، بينما كانت في سن المراهقة. وتقول: "عندما وصل جنود إلى اللد، كانوا يعتمرون كوفيات، فاعتقد السكان أنهم من الجيش الأردني، قبل أن يكتشفوا أنهم يهود متنكرون".
وتتابع السيدة التي تعاني اليوم ضعفاً في السمع "احتمى الناس في الجامع، ثم بدأ الجنود إطلاق النار عليهم".
في اليوم التالي، حطّم الجنود أثاث المنازل وطلبوا من الجميع الرحيل، وفق الدبعي: "هددونا بالقتل، رحل الناس ونحن معهم".
وتروي أن والدتها "جمعت ما استطاعت من ملابس"،مشيرة إلى أن "هناك من لم يستطع أخذ ملابس معه، فإطلاق النار لم يتوقف".
وسارت الدبعي وعائلتها أياماً عدة وصولاً إلى بلدة بيرزيت المسيحية شمال رام الله في الضفة الغربية قبل الانتقال إلى رفح في جنوب قطاع غزة حيث تسكن اليوم.

حق العودة

يشكّل اللاجئون أكثر من ثلثي سكان قطاع غزة وعددهم 2.3 مليون. ويرفض هؤلاء التنازل عن "حق العودة" الذي يعتبر من الثوابت الفلسطينية منذ 1948.
وترفض إسرائيل عودة الفلسطينيين. وشكل الموضوع نقطة خلاف أساسية في التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي مارس (آذار) 2018 وعلى مدى شهور طويلة، شهدت المنطقة الحدودية بين قطاع غزة وإسرائيل تظاهرات أسبوعية كثيفة عُرفت بـ"مسيرة العودة الكبرى" شارك فيها  آلاف الفلسطينيين مطالبين بحق العودة إلى بلداتهم التي هجروا منها في 1948.
وترفض الدبعي أي تعويض مالي بدبل العودة، وهي متيقنة من أن العودة ستحصل "يوماً".
بعد إنشاء السلطة الفلسطينية في 1994، تمكّنت الدبعي من زيارة اللد. وقالت: "كانت دار جدي مدمرة، وبيوت جيراننا يسكنها يهود".
وتقول بحسرة: "لم يكن هناك أحد يصوّر المجازر كما هي الحال اليوم".
بعد حرب 1948 التي شاركت فيها جيوش خمس دول عربية ضد إسرائيل، خضعت الضفة الغربية لسيطرة الأردن، وأصبح قطاع غزة تحت إشراف مصري.

ولدت أم جبر وشاح في 1932 في قرية بيت عفا قرب المجدل. وكانت متزوجة ولها طفل قبل اندلاع الحرب.
وتقول، إن الإسرائيليين احتلوا "قرية تلو قرية حتى وصلوا إلى قريتنا" التي "تعرضت لهجوم مسلح عنيف".
وتتابع وهي تذرف الدموع "كنت وقتها أعدّ الخبز في فرن الطابون، كان الرصاص مثل المطر بلا رحمة".
في اليوم التالي "أجبرونا على الرحيل الى قرية كرتيا، وأسر الجنود كل الشباب والرجال، وبقيت النساء مع الأطفال يبكون عليهم".
وتشير إلى أنها "شاهدت جثة يهودي في حقل الذرة".
وتستذكر أن "جندياً يهودياً سألني عن ابني قائلاً: هل هو ولد أم بنت؟ قلت له بنت، خفت أن يقتلوا ابني إبراهيم".
وأم جبر وشاح واحدة من بين نحو 200 ألف لاجئ استُقبلوا في مدارس ومساجد وبيوت في قطاع غزة.
وتقول اليوم بحسرة،:"قالوا لنا أسبوعا وسنرجع، خانونا وكذبوا علينا".
وتؤكد وشاح أن العلاقة مع اليهود كانت جيدة. وتقول: "كنا لا نؤذيهم ولا يؤذوننا".
حتى اليوم، تحتفظ أم جبر وشاح في منزلها في وسط مخيم البريج وسط القطاع، بمفتاح منزلها أملاً في العودة.
وتقول: "الظلم لا يدوم"، مشيرة إلى أنها لا تقبل "بكل قطاع غزة بديلاً، سأرجع كما جئت حافية القدمين".
وتقول ابتهاج دولة، التي ولدت في يافا في 1935 من جهتها: "سأذهب زحفاً على الأيدي والأقدام لو قالوا ارجعوا".
وتضيف وهي التي تعرف يافا "شبراً شبراً"، "خيمة في يافا ولا قصر هنا".
وكانت عائلة دولة أول عائلة تسكن مخيم الشاطئ الذي بنته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، أونروا، إلى جانب 7 مخيمات أخرى في القطاع في 1951، وبقيت فيه حتى اليوم.
وتجلس دولة على سرير في بهو منزلها في أحد أزقة المخيم الضيقة وتهز أربعة مفاتيح صدئة هي ما تحتفظ به من بيتها بعد التهجير.
ولا زال منزلها في حي العجمي وسط يافا يحتفظ بلونه الزهري، وتسكنه سيدة إسرائيلية، وفق ما تقول دولة التي زارته قبل 30 عاماً، وشربت الشاي فيه.
وسألتها السيدة الإسرائيلية: "لماذا تبكين؟. فأجبتها هذه داري".
وتقول، إن اليهود في يافا كانوا يتحدثون العربية. وتتابع بابتسامة "زوجة شقيق زوجي يهودية، ولها ثلاث بنات وولد، تركناهم في يافا وهجرنا. كنا نزورهم، لكن لا زيارات، الآن خوف".

وفي يوم تهجير عائلتها، كانت ابتهاج عائدة من مدرستها، فصدمت بهروب سكان الحي على وقع الرصاص والمدافع، ووجدت نفسها فجأة مع عائلتها في قارب صغير يتجه نحو غزة.
وتقول السيدة: "رأيت يهودياً مقيداً في شاحنة، وكان الناس يرشقونه بالحجارة، كان ميتًا".
يفخر عبد الهادي، زروق بأنه من مواليد حي المنشية بيافا في 1932، كان يعمل ووالده في ورشة لخراطة الحديد يملكها يهودي يدعى فاغنر.
كانت عائلة زروق ميسورة الحال، فوالده تمكن من امتلاك ورشة خراطة لاحقاً، تملك أيضاً بيارة، حقل حمضيات "مساحتها 30 دونماً في قرية يبنا" القريبة.
ويقول: "ادخر أبي أموالاً كثيرة في البنك العثماني وأنشأ بنايات سكنية للإيجار، استأجر بعضها يهود".
ويشير إلى الحياة "الجميلة" في مدينة كانت تضم عدداً كبيراً من دور السينما والمسارح، وكان يلعب فيها كرة القدم مع يهود.
ويستذكر وجود "مرقص قرب برج الساعة، في كل ليلة كانت هناك حفلة".
ويصرّ زروق الذي يقطن اليوم في شقة في حي الرمال الراقي غرب غزة على "العودة. لا أريد تعويضاً".
ويصغر خليل صرصور زروق بست سنوات، وهو أيضاً من مواليد المنشية. ويقول: "استولى اليهود على المنشية ومسحوها مسحاً، من بقي حياً خرج لمركز الإيواء في السرايا الحكومية".

لكنه يؤكد أن الإسرائيليين "دمّروا السرايا ولم يبق شيء".وقال: "كنت طفلاً، بدأ اليهود يضربوننا بالهاون"، مضيفاً "هرب أهالي يافا إلى الكنيسة التي لم تتسع للناس، فلجأوا إلى مخازن البضائع، كان كل البلد في الميناء".

تتذكر زكية محمد أبو سويلم، أن "يهود الهاغانا هاجموا" قريتها عاقر قرب الرملة و"حمل الناس أغراضهم وهربوا إما مشياً أو على ظهور الحمير خوفاً من مجزرة كما في دير ياسين".
فرت أبو سويلم من عاقر التي ولدت بها في 1935، إلى قرية المغار المجاورة، ومنها إلى قرية يبنا التي تبعد 24 كيلومتراً عن يافا، وتعرضت القريتان أيضاً لهجمات، فرحلت مع عائلتها إلى مدينة أسدود، ثم المجدل قبل أن يستقر بهم الحال في غزة.
وتقول إن عمها أصيب في بطنه بشظايا قنابل أطلقتها طائرة إسرائيلية، وتوفي ودفن على الطريق أثناء فرارهم.
ولد حسن الكيلاني في فبراير (شباط) 1934 في برير بقضاء غزة، وهو يعلّق اليوم في منزله في حي الصبرة وسط غزة خريطة للقرية تتضمّن أيضاً أسماء عائلاتها قبل النكبة، ويحتفظ بطاحونة قمح يدوية و5 أباريق قهوة نحاسية أخذها والده معه عند فراره.
وتقول الروايات إن القرية حوصرت من ثلاث جهات وبقيت الشمالية مفتوحة لخروج الأهالي منها إلى المدن المجاورة ثم إلى غزة.
ويقول الكيلاني: "قتلوا الأطفال والكبار، حتى المواشي، الجمال والبقر وحرقوا البلد، أخرجوا الناس بقوة السلاح".
وشاهد الثمانيني طائرات إسرائيلية تشبه طائرات رش المبيدات الزراعية "تلقي براميل البارود، فخاف الناس على حياتهم وهربوا" نحو  غزة.

كان محمد الحلو الوحيد في قريته بيت جرجا قرب غزة الذي يجيد القراءة والكتابة، لذلك أصبح مختاراً لها.
ويقول الحلو الذي يحتفظ بمفتاح وشهادات ميلاد، وجواز سفر وأوراق ملكية أرض، إن "البريطانيين دعموا اليهود بالسلاح. أما نحن فكانوا يسجنوننا ويفرضون علينا غرامات إذا حملنا سلاحاً".
ويعتبر أن "إسرائيل لا تريد الصلح"، لذلك "لا عودة إلا بالمقاومة".

ويتابع أن منزله في حي الرمال في غزة "لا يساوي عندي فرن الطابون في بيت جرجا".