أن يصفع طفل والدته فهذه إساءة جسيمة وسقطة أخلاقية كبيرة، ولكن الأسوأ هي عندما يعود الأب من الحقل ولا يفعل شيئاً إزاء ابنه، وهذا ما يحدث عند ظهور تصدع أخلاقي حين يبدأ النسيج الاجتماعي في الانهيار، وقد تكون آلية الإصلاح متوفرة، ولكن القادة يرفضون القيام بشيء إزاء ذلك.
لقد صبَّ الباحثون جهودهم في النظر إلى ما آل إليه المجتمع الفلسطيني، بعد أن تمكنت منه آفات الانقسام وأزمات المواطنين بطريقة غير مسبوقة وتصرفات غريبة عن تراثه الوطني، بحيث أعطينا للعالم كله المثال بأننا وطن منقسم، وأن الموجود واقع هش، وأصبح كل طرف من طرفي الانقسام يسعى إلى توظيف جغرافيا الوطن لحماية مصالحه في السيطرة على الأرض والهيمنة على البشر، وهو مرض تتآكل تحت وطأته مقومات الوطن.
لقد أقام الانقسام الفلسطيني من الحواجز والحدود ما يحتاج معه الإنسان الفلسطيني إلى جوازات سفر، وكأننا شعوب في شعب وأوطان في وطن، وفي هذا المشهد البالغ التعقيد عاش الفلسطينيون الحياة البائسة بالمعنى المادي والمعنوي للبؤس، وفق سلوكيات غريبة عن ثقافته.
لقد حان وقت الامتحان، فإرادة الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات تلتقي عند رغبة جامعة مفادها أن تكون أصواتهم مسموعة ومستجاباً لها، وإنّ تحقيق التقارب يتطلب التركيز بشدة على ما يوحّد الناس سوياً بدلاً من التركيز على ما قسّمهم في الماضي والغوص في عملية اللوم، ووضع جماعة ما في قفص الاتهام والتبرير.
ولأنه من الصعب التنبؤ بحركة التاريخ، لذا، من المستحسن القول دائماً: إنه ينبغي على المرء أن يتحلى بالأمل بأن إصلاح الوضع ممكن، فقد كان "نلسون مانديلا" استثناء في التاريخ؛ لأنه استطاع التعامل مع شعبه برفق، وتمكن من خلق نظام يحترم حقوق الأقلية البيضاء على الرغم من أن هذه الأقلية خسرت السلطة.
إن الرهان الكبير للمسئولين السياسيين، وكل مَن له باع في ذلك يكمن في سلامة توجيه الدفة وتصويب المسار، وهذا يحتاج لإرادة وتصميم وصدق وإخلاص وتجنب الأنانية والمصلحة الخاصة الضيقة التي تقوّض عادة أضخم مشاريع الإصلاح، وتذكروا أن: "البيت المنقسم على ذاته لا ثباتَ له، ومَن تفرق أكلته ذئاب هذا العالم وافترسته وحوش هذا الزمان"، ويومها لا تنفع الحكمة التي تقول: "أُكلتُ يوم أُكلَ الثورُ الأبيض".
لقد كان الانقسام وما زال كارثة، ولم يقدم سوى مبرر لأسوأ مرحلة من القمع السياسي، فقد خسرنا الديمقراطية وروح التغيير المنشود، وأصبحت استعادتها المهمة الأساسية الملقاة على عاتق الشعب في إصلاح الوطن وأزمة المواطن. وتبقى الوحدة الوطنية مسئولية الجميع، وملهمة للجميع، وعلينا أن نعزز الثقافة الوطنية الجامعة التي ينخرط الجميع في إطارها، فتصير عنواناً لانتماء أبناء الوطن كافة، ومناطاً أعلى لولائهم ومحبتهم، وصولاً لمجتمع أكثر عدلاً، في مؤسسات عاملة ونزيهة تضمن استقلالية السلطة القضائية، وحيادية وسائل الإعلام.
كما تواجهنا الإجابة عن السؤال الذي بات يتحدى الفلسطينيين جميعاً: كيف نعيش معاً بسلام متساوين ومختلفين على عقد اجتماعي جديد يصون الخصوصيات؟ وحيث تتطلب هذه اللحظة الحاسمة سرعة الاستجابة وتحمّل المسئولية أمام المواطنين.
وفي الختام نقول لكم باسم الشريحة المتألمة من شعبنا: كفى، أكملوا طريق الوحدة الوطنية، أعيدوا راية النهضة إلى فلسطين الجريحة، ففي أيديكم مفتاح الإنقاذ والخلاص من هذا النفق المظلم الذي نمر فيه، وها نحن لنعود لقرع الجرس فهل من مجيب؟