احتفالات الأول من أيار بدون العمال
تاريخ النشر : 01 مايو, 2023 03:01 مساءً

تحتفل المؤسسات النقابية والاجتماعية بالأول من أيار، يوم العمال العالمي الذي أصبح منبرا نقابيا تعلو فيه الأصوات المطلبية التي تدعو لحماية العمال وتعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة ونبذ كل أشكال التمييز والاستغلال والاستبداد للإنسان العامل بغض النظر عن النوع الاجتماعي باعتباره هدف وأداة للتنمية الاستنهاض والارتقاء بالاقتصاد والمجتمع.
المتابع والمراقب للمشهد في ميادين العمل والفعل الاجتماعي والنشاط النضالي النقابي والمطلبي يلاحظ ضعف المشاركة الحقيقية للعمال باعتبارهم أصحاب القضية، وهذا ما يثير تساؤل أين العمال من هذه الاحتفالات والأنشطة؟ وما هي الأسباب التي تحول دون مشاركتهم؟ وما هو المطلوب للوقوف بمسئولية على مشاكلهم ومعالجة قضاياهم؟ وكيف يمكن أن نعزز الحضور ونحقق الحماية لمصالح العاملات والعمال في الميدان؟ ... اعتقد أن هناك إشكالية تتعلق بالمشاركة والتفاعل من القواعد العمالية العريضة، ومن الواجب والمسئولية الوقوف عليها بجدية من قبل الممثلين للعمال والنقابات والاتحادات، والمؤسسات المجتمعية؛ بهدف اعطاءها أولوية للمعالجة والتدخل البناء، والا استمر الحال على ما هو عليه في كل المحاولات والتدخلات حول قضايا ومشاكل العمالية بأن تظل استعراضية وسطحية لا ترقى للواقع وحجم الهموم والضغوط التي تعتري واقع العمل والعمال ...
عندما يكون يوم العمال العالمي إجازة مدفوعة الاجر، ونجد الكثير يستفيد منها الا العمال من محدودي الدخل والعاملين في القطاع الخاص، فهم مجبرين على العمل في هذا اليوم، وأحيانا يتعرضون للتنمر حين تحدثون عن الأول من أيار كحق بالإجازة، وهذا يحدث لغياب الجهات الرقابية والتنفيذية حول تطبيق القانون، الامر الذي يدفع العمال للصمت والصبر بوجع والم على ظروفهم خوفا من التعرض للعقوبة أو الطرد وفقدان فرصة العمل التي تفتقر لأدنى معايير العمل اللائق في ظل عدم توازن قانون العرض والطلب وارتفاع البطالة والفقر.
العمال ببساطة هم فريسة للاستغلال بسبب الطروف وارتفاع معدلات البطالة، وغياب التطبيق الفعلي للقانون، فمعظم الاحصائيات تشير لضعف تطبيق قانون العمل الفلسطيني في علاقات العمل ونسب العاملات والعمال الذين يعملون في سوق العمل غير المنتظم تزيد عن 40% وهم لا يحصلوا على أي حقوق من اجازات او مكافآت أو أجور عادلة.
إن تشخيص الحالة في سوق العمل والميادين التي يعمل فيها العمال تشير لوجود انتهاكات واستغلال للعاملات والعمال في شروط وظروف العمل، مما شكل ضغوط نفسية واجتماعية على العمال انعكس على ثقتهم بالقوانين والمرجعيات لحماية حقوقهم، مما دفع كثير منهم بالتسليم بالأمر الواقع والصمت بعجز فرضته الظروف المعقدة والمتغيرات المستجدات التي انهكت الفئات والشرائح الضعيفة بالمجتمع، بالتزامن مع تجاهل لقضاياهم، ووضع مشاكل العمال الاقتصادية والاجتماعية في اخر الأولويات الوطنية والمجتمعية برغم حساسيتها وأهميتها بما يمثل العمال من قواعد عريضة في المجتمع.
ومن الأسباب أيضا التي تحول دون مشاركة العمال بالإضافة لتشغيلهم في يوم العمال، هو غياب الثقة وعدم تبني قضاياهم بشكل حقيقي، ولا يجدون أو يلمسون من خلال المشاركة؛ تحقيق لأي من الأهداف التي يرجونها، فمعظم الأنشطة والفعاليات تتسم بالأجواء الاحتفالية التي تفتقر لقوة الضغط والتأثير، أو أن يصدر عنها مواقف وبرامج تصعيدية تعبر عن معاناة العمال والاشكاليات التي يعانون منها، فمن سنوات يتطلع العمال لبشائر وانجازات ملموسة تُهدى لهم في الأول من مايو، وكم يحتاجون قرارات جريئة تتعلق بمستقبلهم في عالم العمل وتحسن من ظروف وشروط عملهم وتحقق لهم الكرامة والحق بالعمل المناسب واللائق.
لذا من المهم التفكير باليات وطرق وأساليب جديدة في إحياء يوم العمال، يكون مؤثر في الواقع ومستقبل الحركة العمالية والنقابية بما يحمل هذا اليوم النضالي المطلبي في طياته من تاريخ حافل بالتضحيات وتحقيق الإنجازات، وهو منبر لكل الاحرار في العالم لإيصال صوتهم.
كنت أتوقع أن يكون هناك جهة تلزم الجميع بإجازة الأول مدفوعة الاجر وأن يتم تعويض العمال المستثنيين من الاجازة لأسباب ترتبط بطبيعة العمل، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التزام المشغلين بقرارات من ممثليهم، ومتابعة الحكومة لمدى الالتزام وتحفيز المشغلين الملتزمين بإعفاءات ومميزات بهدف التعزيز الإيجابي للمشغلين.
لو نظرنا لمطالب العمال اليوم نجدها تتلخص بالأجر الكريم والعادل، وتطبيق الحد الأدنى للأجور على الفئات العمالية التي تعاني من الأجور المنخفضة، وتحسين شروط العمل من ساعات واجازات ومكافأة نهاية خدمة، وتأمين بيئة عمل أمنة ومستقرة، وتوفير وسائل وأدوات الوقاية والسلامة المهنية في بيئة العمل، وتوفير الحماية الاجتماعية والتأمين من مخاطر العمل منها مخاطر الوفاة والمرض والشيخوخة وإصابة العمل والأمومة ..الخ وهذه التأمينات يعالجها قانون الضمان الاجتماعي الذي أصبح ضرورة وحاجة وطنية للعمل عليها، فالعمال يتعرضون لمخاطر في سوق العمل المحلي وداخل الأراضي المحتلة عام 48 .
كما يسعى العاملات والعمال لوقف كل أشكال التمييز في العمل المبني على النوع الاجتماعي، وتعزيز العمل الامن واللائق وفتح المجال أمام العمال من ذوي الإعاقة للاندماج في العمل، وتأهيلهم لمهام عمل تناسب إعاقتهم، وموائمة بيئة العمل مع خصوصيتهم، وهذه جزء من القضايا التي يتطلع لها العمال في بيئة العمل والتي يجب ان تكون بمثابة قواعد وأسس لأي نشاط وفعل نقابي كي تعبر عن واقع العمال ومشاكلهم وتكون بداية للتدخل في علاجها، والضغط على صناع القرار لإعطائها الأولويات على اجندة العمل وتطوير الاستراتيجيات والسياسات الوطنية بما يساعد في تحقيق هذه المطالب.
لا يجوز أن يستمر الحال على هذا النحو فالفجوة بين الواقع وما يحدث كبير ويحتاج لتضافر الجهود، واعادة النظر في كل الفعاليات والبرامج بهدف التصحيح والوقوف على قضايا العمال بجدية وبدون أي حسابات لا تخدم سوى المصالح الضيقة للبعض على حساب مصالح وقضايا العمال، فمن الصعب الحديث عن تبني مطلب العمال في ظل غياب للفعل النقابي الحقيقي الذي يقوم بواجباته الوظيفة والأدوار المهام التي أنشئت على أساسها النقابات.
الحركة النقابية تحتاج لكادر متخصص ومهني قادر على قيادة العمل، ولديه من المهارات والوعي لحجم المسئوليات والواجبات الملقاة على عاتقه، ويحتاج ذلك معالجة لمشكلة التفرغ النقابي وتأمين دخل للنقابيين المتفرغين على العمل النقابي، وذلك يحتاج أيضا لإصدار قانون وتشريع نقابي ديمقراطي وعصري يقوم على الحريات النقابية،، ويحصن الفعل النقابي والنقابيين لإنهاء محاولات الاستقطاب والتجاذبات السياسية والحزبية التي قيدت العمل النقابي وادخلته في حسابات فئوية وشخصنته لصالح أفراد استغلوا الظروف والواقع لتمرير مصالحهم على حساب القضايا العامة مما شرذم العمل النقابي.
كثير من الفاعلين في العمل الاجتماعي والوطني يتحدثون عن قصور تجاه قضايا العمال، ويعزوا ذلك لضعف العمل النقابي وضعف تطبيق التشريعات والقوانين، وقلة وعي العمال، وقلة التنسيق والتشبيك، وتبعثر وتناثر الجهود بالإضافة للظروف الصعبة وما يواجه مجتمعنا الفلسطيني من إشكاليات، وهذا يدعو لضرورة العمل على أسس مهنية بهدف أن يصبح الجميع متعاونين لخدمة وحماية مصالح العمال، وصون كرامتهم بعمل لائق يرتقي لحقوق الانسان العامل بما يمثل من قوة للبناء والتعمير الاجتماعي، وممكن ان نلخص بعض الأفكار التي يمكن العمل عليها لصون حقوق العمال منها التالي:
- ضرورة العمل على تطوير السياسات الوطنية والاجتماعية التي تتعلق بالعمل واستحداث فرص عمل جديدة لتشغيل الخريجين من الشباب من كلا الجنسين، وتطوير التشريعات والقوانين لتتناغم مع المستجدات والمتغيرات في عالم العمل، وموائمتها مع الاتفاقيات والمعايير الدولية والعربية.
- ضرورة العمل على الالتزام بالتشريعات والقوانين الوطنية وتحييد قضايا العمال عن التجاذبات السياسية، وتداعيات الانقسام وخاصة ما يتعلق بالعمل كتطبيق الحد الأدنى للأجور وتعديلاته ارتباطا بغلاء المعيشة، والعمل على تطبيق دليل الصحة السلامة المهنية، والتعاون للتطوير سوق العمل وتعزيز صموده بتخفيف الضرائب والرسوم والأعباء المالية عنه وحماية المنتجات الوطنية والمحلية ..الخ.
- توحيد الجهود النقابية والحفاظ على استقلالية العمل النقابي، وتطوير التشريعات والقوانين التي تعزز حرية العمل النقابي وتتيح الفرصة لمشاركة العمال في اختيار قيادتهم النقابية بشكل ديمقراطي حر يقوم على أسس الإدارة الرشيدة والحوكمة.
- تعزيز الوعي بين العاملات والعمال والعمل على دمجهم في النضال المطلبي والعمل على تحقيق مطالبهم بالطرق والأساليب التي تناسب الواقع، وتحميهم من التعرض لأي إجراءات عقابية وتهديدات في العمل.
أخيراً إن الأفكار والمقترحات دائما تحتاج لدراسات معمقة لتكون واقعية ويمكن تحويلها لخطط فعالة فلا يوجد مستحيل ودائما بالإمكان أن نعمل من أجل العمال والواجب أن نوحد الجهود لخدمة مصالحهم، فلا يجوز أن يكون أي عمل بعيدا عن العمال، ومن المعيب ان يكون النشاط خالي من العمال كما نحتاج المؤازرين والمنتمين للحركة النقابية والعمالية يجب ان يكون في المقدمة العاملات والعمال أنفسهم لندع النشاطات والفعاليات تعكس وتعبر بحضورهم عن مشاكلهم وقضاياهم، فالفعل هنا يكون كبير ومؤثر على جميع الأصعدة يضمن الاستمرارية والاستدامة.
عاش الأول من أيار ..عاشت نضالات العمال ...المجد للشهداء ..الحرية للأسرى