فتح ميديا –سلفيت:
بعد 21 عاما من الاعتقال، لا يزال الأسير منصور موقدة (53 عاما) من بلدة الزاوية غرب سلفيت، يشكل واحدة من أصعب الحالات المرضية في سجون الاحتلال، بعد أن أُصيب بأربع رصاصات في جسده أثناء اعتقاله تسببت له بشلل في الأجزاء السفلية وتهتك في الجهاز الهضمي.
على مائدة الإفطار الرمضانية، تعيش عائلة الأسير موقدة بين مطرقة الحرمان والشوق والحنين للأسير، فقد انتظره أطفاله الأربعة منذ أن كانوا في السنوات الأولى من أعمارهم، واليوم ينتظره أحفاده باللوعة والحسرة ذاتهما على وجوده بينهم.
تقول محفوظة موقدة وهي ابنة الأسير منصور : في ظل سياسة الاحتلال القائمة على الإهمال الطبي للأسرى خاصة الذين يعانون من الأمراض المستعصية، فإن الأمراض تتفشى بشكل سريع بأجسادهم، وهذه الجريمة التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي بحق والدي، بعد أن أصيب بشلل نصفي وتهتك في المعدة والأمعاء والمثانة نتيجة رصاصهم الغاشم، وبات على كرسي متحرك.
وذكرت أن حالته الصحية تتفاقم يوما بعد يوم إثر استقرار رصاصة في عموده الفقري، وهو بحاجة إلى عملية جراحية غاية بالخطورة نسبة نجاحها ضئيلة جداً، وإذا بقي الوضع على حاله قد يقوده إلى الموت البطيء واستشهاده في أي لحظة.
في وقت سابق، خاض الأسير موقدة عدة إضرابات جزئية عن الطعام نتيجة سياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحقه وحق الأسرى المرضى، ومطالباً بالإفراج عنه.
وكانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين قد أشارت في بيانات سابقة إلى أن إدارة سجون الاحتلال تواصل احتجاز الأسير المقعد منصور موقدة بظروف صحية مأساوية، حيث يقبع بشكل دائم، منذ اعتقاله داخل "سجن عيادة الرملة"، التي تفتقر إلى أدنى المقومات الطبية، ولا تصلح لمعالجة الحالات المرضية وتشخيصها، إذ إن الأسير موقدة يعاني من أوجاع حادة في أنحاء جسده كافة، بسبب إصابته، ويقضي حاجته بوساطة أكياس للبول والبراز، ويشتكي من مشاكل في العينين والأسنان، ويتناول أكثر من 12 نوعاً من الأدوية والمسكنات لمساعدته على تجاوز حدة الآلام التي يعاني منها على مدار الساعة.
ولفتت إلى أن هناك مماطلة حقيقية بمتابعة علاج الأسير موقدة وإجراء الفحوصات الدورية له، فضلا عن سوء الأوضاع الاعتقالية التي يُحتجز فيها والتي ساهمت في تدهور وضعه، علماً أن حالته تستدعي المتابعة الحثيثة.
وذكرت ابنته أنه في كل زيارة، تلاحظ التدهور السريع في حالة والدها الصحية، وأن العائلة في كل يوم تعيش في قلق مستمر على تفاقم حالته الصحية.
عقب اعتقال موقدة في 3/7/2002 صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد تم تحديده لاحقاً بــ30 عاماً، وهو أب لأربعة أبناء (وعد، ومحفوظة، ورعد، ومحمد)، توفي والداه بعد اعتقاله وحُرم من وداعهما، كما رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إدراجه ضمن أي صفقة أو عملية تبادل تمت سابقاً.
يُذكر أن غالبية أفراد عائلته وخاصة أولاده (رعد، ومحمد) يعانون من الحرمان منذ سنوات عديدة من زيارته، ويتعمدون التضييق عليهم ومعاقبتهم بعدم رؤية والدهم.
وقال نجله محمد: في حال سُمح لنا بزيارة والدنا تكون الزيارة مغمسة بالألم والحزن على وضعه الصحي وعدم مقدرتنا على العناية به والوقوف بجانبه في ظل ظروفه الصحية الصعبة، وكذلك عدم مقدرتنا على احتضانه والبوح له بما في داخلنا من أسرار حال كل الآباء مع أبنائهم.
وأضاف: اعتُقل والدي وأنا طفل لم يتجاوز عمري العامين، أعرفه من خلال بضع صور تحتفظ بها العائلة، وأذكر صوته من خلال سماعة الهاتف التي يجبرنا الاحتلال على التكلم بها في وقت الزيارة، هذا في حال سُمح لي بزيارته.
وبيّن محمد: فرحتنا دائماً منقوصة، سواء في نجاحنا في الثانوية العامة أم في تخرجنا من الجامعة أم في زواج شقيقاتي، دائماً نتمسك بالأمل بأن يشارك أحدنا فرحته ويكون بيننا، لكن هذا هو الاحتلال وهذا نهجه في الحرمان والتنغيص على الكل الفلسطيني.
من جهته، أوضح مدير هيئة شؤون الأسرى والمحررين في محافظة سلفيت نذير السلخي ، أن حالة الأسير منصور موقدة الحرجة تكاد تكون من أصعب الحالات المرضية للأسرى الفلسطينيين كافة، إذ يعاني من آلام دائمة في جميع أنحاء جسده، وخضع لعدة عمليات جراحية معقدة تم زراعة معدة بلاستيكية وبقيت أجزاء من أمعائه خارج جسده، وهو بحاجة ماسة إلى المتابعة والعناية الدائمتَين، وهذا ما يفتقده كل المرضى في سجون الاحتلال التي تنتهك بشكل واضح المواثيق الدولية وحقوق الإنسان.
وأضاف: يُعتبر موقدة واحدا من القصص المأساوية التي يعيشها 4900 أسير وأسيرة من بينهم 160 طفلًا داخل سجون الاحتلال يعاني أكثر من (700) أسير منهم من أمراض بدرجات مختلفة، إلا أنهم شكلوا أسمى معاني الصمود والتحدي والإرادة المثيرة للدهشة في تحدي السجان، وبقوا على أمل لم يفارقهم بأن التحرر من قضبان السجان هو طريقهم الوحيد.