إسرائيل تخسر بريقها وروحها.. وماذا نحن؟
تاريخ النشر : 12 ابريل, 2023 02:24 مساءً

لم تعد إسرائيل هي جنة الديمقراطية في صحراء العرب.. ولم تعد الدولة المدججة بالسلاح التي هزمت الجيوش العربية قادرة ان تحسم معركة مع شعب اعزل.. ولم تستطع الدولة القوية الغنية ان توحد شخصية ساكنيها، ولم تستطع الدولة التي طالما طلب ودها الاخرون ان تحافظ على تحالفاتها.. وهاهي تتعرض لواحدة من أخطر التحديات التي مرت في عمرها.. ومن جهة أخرى شعب فلسطين في الوطن والشتات يتحسس بداية طريق مختلف عما سبق، طريق متحرر من سطوة الاحزاب، ومجدي وفعال.. فهل نحن في مرحلة العد العكسي للكيان الصهيوني ام في العد التصاعدي لنهضة شعب فلسطين قد لا يبدو فرق بينهما.. لكن من المؤكد ان هناك علاقة بينهما وهناك مسافة كذلك..
الموقف الدولي:
لا يوجد كيان على وجه الارض قائم على حقيقة التبعية بالكامل كما هو الكيان الصهيويني فهو كطفل الانابيب وكلما ازداد نموا ازدادت حاجته لوسائل الحياة والتنفس الاصطناعي.. وهذا يعود لطبيعة منشأ الحركة الصهيونية في احضان المشروع الاستعماري بعد الحروب الصليبية.. حيث استقر في ذهن الغرب انه لابد من تكريس خنجر سام في قلب المنطقة العربية يزود بالتفوق بحيث يمنعها من الوحدة والنهضة ويحرمها من الاستفادة من ثرواتها بشكل طبيعي، وهذا هو المفسر الوحيد لكل سلوك الكيان الصهيوني منذ ولادة فكرة..
من المعروف أن العلمانيين الصهاينة هم من أنشأ الكيان الصهيوني وهنا اشارة مهمة الى طبيعة المنشأ وقامت الدوائر الاستعمارية وادواتها بشتى السبل لترحيل اليهود الى فلسطين ولم يكن للدين اليهودي دور الا من باب الشعارات الفاقدة اي معنى او اي اصل في التوراة.. فلقد كان كبار الدعاة سياسيين علمانيين موزدين بنظريات عنصرية ولكنهم مع ذلك كله كانوا خدما للمشروع الاستعماري..
لم يكن الغرب"امريكا واوربا" فقط من يقف خلف المشروع والكيان الصهيونيين انما ايضا الشرق"الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية" وكان الدعم غير محدود انه قرار دولي لم تستطع قوة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة ايقافه او منعه، ولم ينثني عن هجومه رغم ما لحق به من خسائر فادحة في مواجهة كفاح الشعب الفلسطيني وبعض المعارك مع الجيوش العربية..
التبدل في الهوية الصهيونية:
لكن ماهي هوية الكيان الصهيوني الذي اراده الغرب والشرق في بلادنا؟ وعلى ماذا تم التوافق؟ انه كيان امتداد للحضارة الغربية يعتمد الديمقراطية والنظام الراسمالي الليبرالي.. وعلى هذا كان مايسمى باليسار الاسرائيلي متنفذ في المؤسسات العديدة وظلت الامور تسير على هذا المنوال الا ان خطأ ما حصل اثناء التعبئة لضخ متصاعد من المرحلين الى فلسطين من اليهود انه كان لابد من استخدام وسائل عديدة ومنها الترويج الديني بشعارات مقتطعة مؤولة من التوراة.. وفي ظل هذا الضخ الاعلامي والترويجي تسلل المتطرفون الصهاينة في زخم الترحيل والذين انتجوا حاخامات عنصريين كريهين لم يكن ينظر اليهم باهمية في البداية رغم انهم ارتكبوا من الفظائع ما يلحق باسرائيل مسئوليات سيكون لتراكمها الاثر البالغ على سمعتها بل عن وضعها السياسي..
الان وصل الكيان الصهيوني الى حالة تحقق فيها الشرخ الرأسي بين كيانين ثقافيين وسياسييين اليمن الصهيوني اي الصهيونية الدينية واليسار الصهيوني اي الصهيونية الليبرالية.. وفي خطوة كبيرة بعد فوزه تقدم اليمني الصهيوني لفرض وقائع على الارض عندما اراد تحويل كل شيء في المؤسسات الصهيونية الى اداة بيده فكانت السيطرة على القضاء اولى الخطوات.. اي ان تصبح المؤسسات كلها خاضعة للحكام الجدد والذين يجدوا في انفسهم تزايدا داخل الكيان ومؤسساته لاسيما الكنيست..
واجه اليسار بعنفوان وبتواصل احتجاجاته ومظاهراته التي تتوسع منذ عدة أشهر لاسقاط المقترحات اليمينية ووجد هذا في الغرب والشرق ترحيبا كبيرا ولم تخف الولايات المتحدة واوربا وروسيا القلق مما يجري في داخل اسرائيل وتعهد الجميع ان يقف مع الليبراليين الصهاينة الذين فشلوا في ان يحققوا السلام مع الفلسطينيين وفقدوا قدرة المبادرة في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة الامر الذي افقدهم كثيرا من الشارع الصهيوني..
في حين كانت مواقف قادة اليمين الصهيوني اكثر جرأة ووضوح بانها تكفر بدولة فلسطينية وانها تؤمن بان فلسطين والاردن وجزء من لبنان وسورية انما هي دولة اسرائيل وان اي علاقة مع العالم تقوم على الاقرار بمطامح اليمين الصهيوني وان اسرائيل ليست نجمة في العلم الامريكي كما قال بن غفير زعيم المتطرفيين الصهاينة.
وصل اليمين المتطرف الى الحكم في اسرائيل فكان متسرعا في انفاذ رؤاه وخططه ولكن وجد في وجهه مؤسسات الدولة العميقة التي اسسها العلمانيون وجدوا في مواجهتهم القضاء والجيش والامن وتل ابيب بكل ما تعنيه من الشارع العلماني الواسع.. هنا كان احتدام المواجهة امرا منطقيا وضروريا لكل طرف فلقد وقف الليبراليون الصهاينة مدهشين من جرأة الهجوم اليميني على الارض.
وفي معركة موازية وجد اليمين انه لابد من حسم المعركة مع الشعب الفلسطيني باستفزازه ونزفه وترويعه ودوس كل مقدس لديه والتحلل من كل الاتفاقيات السابقة مع السلطة بخصوص الضفة ومنطقة الف وباء وجيم.. فكانت الخطوات المتسارعة نحو اقتحام الاقصى والحرم الابراهيمي ومنع الصلاة في اكثر من مرة ومحاولة فرض التقسيم الزماني والمكاني للاقصى والعدوان المستمر على المصلين والمسجد الاقصى بمناسبة وغير مناسبة.. ويرتفع الخطاب اليميني بوضوح للقول ان على الفلسطينيين الرحيل من مدنهم وبيوتهم نحو الاردن..
جديد الشعب الفلسطيني:
اثبت الشعب الفلسطيني في أكثر من مرحلة أنه في اللحظة التي تصاب الحركة الوطنبة بالعز والشلل لسبب من الاسباب يفرض فعله وقوله ويضرب بقدمه الارض: انا هنا بكل اليقين والفاعلية، ولقد كانت الانتفاضات الاخيرة منذ انتفاضة 1987 بداية التحول الكبير في مسيرة الشعب الفلسطيني حيث لم تعدم المقاومة نخبوية وحزبية انما هي فعل شعبي تلقائي..
وبلا أدني تريث يمكننا القول أن الشعب الفلسطيني ولد من جديد منذ بدأت عمليات الطعن والاشتباك التي فرضها باسل الاعرج واصدقاؤه برؤية جديدة وروح جديدة تتجاوز قيود الاحزاب والتنظيمات.. ولقد أثبتت المواجهات أن التجييش عمل فاشل محبط لا يمكن له ان يقابل الجيش الاسرائيلي في اي معركة متكافئة وستكون تكلفة مواجهة الجيوش مع اسرائيل تكلفة باهضة على الشعب والحركة الوطنية.. فلقد كانت انتفاضة الاقصى اي الانتفاضة الثانية بالغة التكلفة قدم الشعب فيها قياداته شهداء وكوادره بين اسر واستشهاد وقد دمرت مؤسسات السلطة كما استباحت القوات الصهيونية المخيمات والقرى والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية..
يبدو ان خيار المواجهة المفتوحة والعمل الفردي اصبح سمة المرحلة الفلسطينية الحالية غير مكترث بحسابات السلطة ولا التنظيمات، وهكذا تصبح شوارع تل ابيب والقدس والمدن الفلسطينية في كل فلسطين ساحة للعمل المنفرد والاشتباك المباشر الامر الذي القى على الكيان تحد من نوع جديد لم يسبق له به عهد وهكذا يكون شباب فلسطين استطاعوا ان يغيروا شروط الاشتباك والمواجهة.
هذا الوجود الفلسطيني يواجه تحديات ذاتية وموضوعية فعلى الصعيد الذاتي ان استمراره الفاعل يقتضي وجود عقل ومؤسسة ولو عن بعد تدير العمل باتقان وفاعلية حتى لايتحول الى فقاعة دم مؤقتة وعلى الصعيد الموضوعي لابد ان يستطيع هذا الفعل ان يثبت انه قد تجاوز المؤسسات المؤطرة في الساحة الفلسطينية فليس السلطة ولا سواها له فيه نفوذ..
الاشتباك بين جديدهم وجديدنا:
لقد وصلوا الى قمة غلوهم وشرهم وتحللوا من كل رابط يمنع دولة اسرائيل تجاوز القانون الدولي ولو بحدوده الدنيا، وذهبوا بعيدا في تهديد المقدس الاسلامي الكبير المسجد الاقصى والحرم الابراهيمي وكذلك المقدسات المسيحية وكنائسها.. وضربوا بعرض الحائط اي اعتبار للراي العام العالمي واداروا ظهورهم لكل المناشدات الدولية التي تلح على ضرورة ايقاف العنف ورأوا في كل الاستنكارات الدولية مجرد هراء لاقيمة له ولا أثر.
في مواجهة هذا كان شباب فلسطين في جنين ونابلس والقدس وحيفا والمثلث ومخيمات الشتات في اللحظة المناسبة يتحررون من كل جبن وتيه التنظيمات الفلسطينية وعبثيتها الى التقدم نحو الفعل المجدي فتميز الخطاب الفلسطيني بانه اعاد الى الجملة كل مفرداتها الاصيلة فلسطين كلها من نهرها الى بحرها وان الهجمة الاستعمارية الصهيونية مآلها الرحيل.
من هنا أصبح الاشتباك عنيفا وحادا ولا تراجع فيه الا بانكسار أحد الطرفين، ما يبذله الفلسطينيون من تضحيات فوق الخيال في ظل عجز رسمي عربي واسلامي وفي ظل سلطة وفصائل اقل ما يمكن قوله انها خاضعة لحسابات وتفاهمات مع الوسطاء.. الا انه رغم كل شيء فان اهتزازات في الواقع يتسرب منها سيل متدفق من شباب فلسطين حتى اولئك الذين أطروا في اجهزة امن السلطة والذين حاول البعض تشويههم او تشبيههم بجيش انطوان لحد.. لقد اصبح الشباب الفلسطينيون في شتى المواقع في فلسطين والمنافي اكثر يقينا بان التنظيمات والسلطة لن يعول عليهم في احداث المطلوب نحو نيلنا حقوقنا وفرض شروطنا على عدونا.
ولكن صحيح كذلك أن تطرف المتدينيين الصهاينة قادهم الى دفع ثمن كبير من امنهم واستقرارهم وجثتهم وان فلسطين اصبحت كتلة لهب وان كل ادعاءات المتطرفين لم تعد ذات وجاهة بعد ان اصبح واضحا ان الفلسطينيين من جبلة اخرى فهم لايؤجلون انتقامهم للصبح بل صفعة بصفعة والعين بالعين وبسرعة وفورا..
اما الخسارة الاكبر والتي ستكون حاسمة في نهاية المشوار ان الكفاح الفلسطيني والصمود في القدس اصبح مثار اعجاب العالم واسناده وتشجيعه فيما اصبحت الممارسات الصهيونية مثار سخط من قبل اصدقاء اسرائيل وحلفائها..
ان اهم نتائج الاشتباك الحالي تتجسد في فتور هرولة التطبيع مع اسرائيل والعزلة التي تواجهها حتى من قبل المطبعين.. لقد اسقطت المواجهات منطق ومبرر التطبيع.. كما انها تعري اسرائيل امام العالم لدرجة ان حلفاءها لم يترددوا في ارسال رسائل ادانة واستنكار لسلوكها ضد الامنين الفلسطينيين..
حتى الان نحن ربحنا كثيرا في المواجهات الدائرة وان استمرار حرص الشباب على العمل المنفرد وعدم الاستجابة لاي نداء من اي فصيل فلسطيني سيكون أهم ضمانات الاستمرار والتطور وصولا الى تحقيق استنهاض ضروري في المنطقة في طوق فلسطين ولن يطول ذلك..
ارتباط ما يحصل في اسرائيل بكفاحنا ارتباط عضوي فكلما ازداد غلوهم وعتوهم كلما تصاعد كفاحنا وتميز وازداد وعينا بطبيعة الصراع والمعركة .. وسنظل نتسابق معهم وصولا الى لحظة الحسم التاريخي التي يطمئننا فيها التاريخ الى النتيجة المنطقية والطبيعية انها نصر فلسطين.