لم أكن أتوقع أن أرى المخيم هكذا !!!
تاريخ النشر : 03 ابريل, 2023 08:59 مساءً

لم أكن أتوقع أن أرى المخيم هكذا !! هذا الكلام لم يأتي من عالم أو رئيس أو ملك ، هذا كلام طفلةٍ عندما رأت البيوت فوق بعضها مهدمة ، وألعابها مبعثرة ، رأت ذكرياتها مدفونة تحت الأنقاض ، نجوى جلال !! تلك الطفلة التي لم تجد ما تعبر فيه عم ما رأته عيناها ، تلك الطفلة التي انتصرت كلماتها ودموعها على ذلك الجيش ، الذي قال عن نفسه :
جيش لا يقهر !!!
في مثل هذا اليوم وقبل واحدٍ وعشرين عاماً اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جنين ، طائراتٌ تقصف في كل مكان ، ودباباتٌ ومجنزرات تعيث في الأرض الفساد ، وتقصف ما لم تقصفه الطائرات ، ناقلات جُندٍ ذهاباً وإياباً ، تنقل الجنود وتزرعهم في كل مكان ،حاصروا المخيم من كل الجهات .. حاولوا اختراقه مرةً ومرتين وثلاث ... في النهار والليل .. مرّ يومٌ ويومين وعشرة .. لم ينالوا ما يريدون ؛ فأهلُ الأرض فيها ثابتون !!
شهداءٌ في كل مكان ، دماءٌ تسيل گالوديان . ولكن الصمود والتحدي كان هو العنوان ، وفي اليوم العاشر حضر رئيس الأركان الذي جاء بعد تبديله لعدة مرات ، وقف على الجبل ، وقال :
لا بد أن يزول هذا المكان !!
و أعطى الأمر الجرافات التي من نوع " D9" بأن تهدم من الأربع جهات ، وتلتقي في الوسط ويكون الركام ، فتحركت جرفت كل ما هو أمامها من حجر وشجر وإنسان ، وسوت المكان ، وأصبحت البيوت جبلاً من الركام تحته الذكريات ، ذكريات اللجوء وكأنه مكتوبٌ أن تبقى النكبة ناقوشٌ يدق في الذكريات.
أبو جندل !! .. أحضروه بعد أن قيدوه ، كان حسب قول أم علي وهي شاهدة عيان :
أحضروه فكان يرتدي بزته العسكرية ، ووضعوه على الأرض تماماً فوق الركام ، تجمعوا حوله ، لكنه كان شامخاً وهو ينظر إلى السماء ، صوبوا بنادقهم نحوه ، فخافوا من نظراته ، ثم أطلقوا النار عليه !!
ارتقت روحه إلى السماء .. لكن جبينه بقي مرفوعاً هكذا هم العظماء ، يموتون وقوفاً گالاشجار لا يحنون رؤوسهم !! و اجتمع مجلس الأمن و حضرت حقوق الإنسان لكن بعد فوات الأوان ، ولكنهم قالوا:
أن ما حدث هنا زلزال !!
ومنهم من قال :
أنها جريمة حرب مع سبق الإصرار !!
و آخرون قالوا :
تطهيرٌ عرقي وإبادة للإنسان !!
قالوا كثيراً من الكلام !! خرجت طفلة لا تفقه بالسياسة وقالت :
يا سادة أيها القادمون إلينا لتبحثوا عن أدلة للجريمة ، فهذه الأسلحة من صنع بلادكم ، فتلك القنبلة مكتوب عليها USA وتلك القذيفة هي التي قتلت ابي وامي و اخي وشقيقاتي ولم يتبقى غيري وانا شاهد عيان !!! .
بعد واحد وعشرين عاماً من الاجتياح كبرت نجوى جلال واصبحت عروس ، لا أدري كم عندها من الأولاد ، ولا أعرف اسمائهم ، و لكنها ستبقى تلك الطفلة التي وقفت وقالت :
_ لم أكن أتوقع أن أرى المخيم هكذا !!
والآن تراه اليوم بعد أن أعادوا بناءه ، حيث ما زال حتى اليوم يحدث فيه ما يحدث ، نفس الجناة يرتكبون كل يوم جريمة ، شهداء وجرحى كل يوم ، ونجوى ما زالت تصرخ :
_ ألم ينتهي ذلك اليوم !!!
أم علي عويس كبرت في السن لكنها لا زالت تزور قبور الشهداء وهذا عهدها لهم وهم أحياء ، اطفال الاجتياح كبروا ، يا سادة !! صاروا هم أصحاب القرار ، وحفظوا عهد أبو جندل والعامر وطوالبة و الفايد والصباغ و الزبيدي ، أتعلمون أن هؤلاء الذين يحملون اليوم السلاح كانوا يومها صغار !!! وانتم تقولون أن الكبار يموتون ، والصغار ينسون !! فما رأيكم بما تشاهدون !!
اليوم وبعد كل تلك السنوات وصمت العالم على ما كان و يكون ! وعدم محاسبة الجاني فماذا تتوقعون !!! أتتوقعون الخنوع !!!
فانتظروا ... وانتظروا ... وانتظروا ... فهذا الجيل لا يعرف الخنوع ، فاشِجبوا ... وأدينوا .. و استنكروا ! أما نحن فأدرى بما نحن فيه ، فدربنا هو درب واضح وصريح نحو التحرير سائرين .. فلا محاكمكم ولا قممكم ولا مؤتمراتكم ولا ندواتكم نعترف بها !! .
في الذكرى الواحدة والعشرين على مجزرة مخيم جنين فما زال الدم يسيل ، وما زال الشهداء يعرجون إلى السماء مبتسمين ، وما زالت الأمهات تودع أولادهن بالزغاريد وقبلةٍ على الجبين ، فسيأتي اليوم الذي فيه ستحاسبون ، فدولة الباطل إلى زوال ، ودولة الحق هي الباقية .
وجنين بمخيمها وريفها كانت وما زالت وستبقى شوكةً في حلق الغاصب ، وشعارنا :
ان لا تسامح في الدم الشهداء والجرحى ، ولا تصالح عدواً غادراً ، ولا تصافح يداً قاتلة !!
فطيبى وطيب لكِ يا جنين ، لأناسكِ الطيبين ، لِشوارعك ، لحاراتك ، لسمائك ، لأرضك لكل ما فيكِ لأن كل ما فيكِ ومن فيكِ يصرخ باسم فلسطين !!
قلعة الشهيد عبد القادر أبو الفحم
سجن عسقلان المركزي