منذ اعداد وزارة التخطيط الفلسطينية بالتعاون مع جميع الوزارات الرئيسية ووكالات الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي والبنك الدولي والشركاء الاخرين وثيقة لاعادة اعمار قطاع غزة في العام ٢٠٠٩ بسبب الحروب والنكبات التي تعرض لها القطاع وعرض واستخدام هذه الخطة على مؤتمرات دولية عديدة لحشد الموارد من اجل مساعدة المواطنين في غزة اعادة بناء حياتهم وسبل معيشتهم، وبعد مرور ١٤ عاما على هذه الخطة التي جاءت بعد حرب مدمرة شنتها اسرائيل على قطاع غزة في العام ٢٠٠٨ اعقبها حرب اخرى في العام ٢٠١٢ وحرب ثالثة في العام ٢٠١٤ ومواجهات عديدة خلال الاعوام الاخيرة اثقلت كاهل القطاع ومواطنيه وجعلتهم يعيشون في عزلة اقتصادية اغلقت امامهم اي أفق لتحسين مستوى المعيشة يمكن القول بما لا يدع مجالا للشك بان جزءا محدودا وضئيلا من هذه الوثيقة تم تحقيقه على ارض الواقع من خلال المنح والمساعدات الدولية والاوروبية والمصرية والقطرية ، والاخيرة لا زالت في الميدان تقدم وتساند وتدعم من اجل نهوض غزة وتحسن ظروف معيشة اهلها وسكانها …
لقد جاءت الخطة بشكل سريع لتلبي حاجات الانعاش المبكر والاولويات الخاصة لتمكين المواطنين من العيش ببيوت امنة بعد ان طالها القصف ثم الانتقال الى جهود اخرى لاصلاح كل ما دمره الاحتلال ومحاولة خلق فرص عمل وتوفير لقمة العيش للمواطنين والتغلب على الاثار النفسية الرهيبة التي تركتها الحروب على مكونات الشعب الفلسطيني في القطاع .
فهل نجحت خطة وجهود الاعمار بتحقيق اهدافها ؟
للاجابة على هذا السؤال يجب الوقوف اولا عند الخطوات التفصيلية لكافة مناحي الحياة الاجتماعية بالقطاع ، فهل تقدمت الصحة والتغذية وهل تطور التعليم وهل تحسنت الحماية الاجتماعية وشبكاتها المحلية وهل اصبح بمقدورنا القول ان الحالة النفسية لمواطني غزة اصبحت على ما يرام وان هناك رفاهية نفسية واجتماعية وهل تعمل المؤسسات الثقافية والتراثية كما يجب واين وصلت موضوعة المياه والصرف الصحي وكيف تعمل منشآت الايواء التي تستوعب الاف المواطنين الذين فقدوا منازلهم جراء الحروب وهل تأخذ غزة حصتها من الطاقة والتيار الكهربائي بشكل يضمن للمواطن عيشا كريما ودافئا وكيف تسير عملية النقل والمواصلات وهل بنيتها التحتية صالحة لاستيعاب عشرات الاف السيارات وكيف تبدو منظومة الاتصالات وهل تكفي موارد الصيد لتحقيق غايات العيش وهل تؤدي الزراعة الدور المطلوب وكيف تبدو فرص التشغيل في الداخل الفلسطيني وهل تبدو بنوك غزة ومصارفها قادرة على الوقوف بوجه كافة المطالب وتلبيتها ؟
اسئلة عديدة تطرح عن مجمل حياة المواطن الغزي ولا شك ان سردها بهذه الطريقة التساؤلية يعتبر مقدمة لأجوبة واضحة ومقنعة بأن الوضع في قطاع غزة لا زال تحت الصفر وادنى بكثير من خط الفقر اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان خطوات الانعاش الاولى بعد الحروب المدمرة تركزت على توفير اماكن للمبيت فقط ومن ثم توفير وتوزيع المنح المالية مع الاخذ بعين الاعتبار ان فرص التشغيل في الداخل تقتصر على عدد محدود يسمح به الجانب الاسرائيلي مع عدم وجود خطة لانعاش الاقتصاد وبناء الاسواق والمصانع في القطاع ، فان ذلك يقودنا الى النتيجة التي افضى لها هذا السرد …
ليش ادل على ذلك من عدم قدرة المواطن على تلبية كافة الاحتياجات فهل يعقل ان تكون مصادر المياه والكهرباء وهي اساسية بالحياة مرتبطة بساعات معينة ناهيك عن ظروف اقتصادية واجتماعية ونفسية ذات تأثير سلبي كبير …
في الختام نقول ان غزة لا زالت بعيدة الاف الاميال عن الوصول الى حياة الرفاهية المستندة الى نفسيات مطمئنة بسبب استمرار الحصار الاسرائيلي الخانق عليها اضافة لغياب اي افق سياسي استراتيجي يحقق الامن والسلام والهدوء للمواطنين مع كل التقدير والاحترام للجهود الاممية والدولية والعربية التي تسعى للوقوف بجانب المواطنين ومن حق المواطن الغزي ان يقف ويصرخ بصوت عال ان هذه الجهود والمساعدات هي انعاشية فقط ولا زال هناك الكثير الكثير من القضايا الرئيسية التي لم تتحقق وستأخذ وقتا طويلا استنادا الى تجربة ١٥ سنة متتالية بعد اولى الحروب على غزة والتي رسمت سيناريو ومشهد قاتم سيمتد لسنوات طويلة .