تحذيرات من مخاطر تطبيق خطة بن غفير بالاعتداء على بدو النقب بحجة تثبيت النظام
تاريخ النشر : 16 ديسمبر, 2022 09:14 صباحاً

تل أبيب- فتح ميديا:

حذر النائب العربي الجديد في الكنيست المحامي يوسف العطاونة (عن الجبهة والعربية للتغيير) من أن استخدام الشرطة العنف ضد المواطنين العرب في النقب، بحجة البحث عن الحوكمة وتثبيت النظام في النقب، سيؤدي لصدام خطير معهم. وقال في كلمته إن هيئة الكنيست العامة واللجان الفرعية الخاصة، وبتوجيه من رئيس الحكومة المرتقب نتنياهو، ينشغلون فقط بإعداد الأرضية لتشريع وتفصيل قوانين شخصية على مقاس الائتلاف الحكومي القادم. وفي إشارة لعمليات الابتزاز الجارية من قبل أحزاب اليمين المشاركة في الائتلاف المتشكل أضاف العطاونة أن رئيس حزب “القوة اليهودية” ايتمار بن غفير، المكلف بحقيبة الأمن القومي، الذي يتبجّح على منصات الكنيست أنه سيحارب العنف والجريمة والخاوة في المجتمع العربي بيدٍ من حديد، نسي أن يعترف بأن صفقة الخاوة الوحيدة التي أبرمها نتنياهو معه ويبذل كل جهوده لتنفيذها موجودة هنا على طاولة هذه الجلسة.

وأشار العطاونة إلى هوية بن غفير المعروف بمواقفه العنصرية المتطرّفة وتحريضه المتواصل في السنة الأخيرة ضد المواطنين العرب البدو في الجنوب، من ضمنها حملة تشويه وتضليل لنسيج الحياة المشتركة والعلاقات الطيبة بين اليهود والعرب في بئر السبع الأمر الذي لا يروق له طبعاً. وتابع: “بن غفير يدّعي أيضاً أن مصدر العنف المستشري في هذه المدينة يأتي من المواطنين “غير اليهود”، ويتجاهل بأن اليهود والعرب يعيشون في عمارات سكنية مشتركة، وكذلك في المدارس، وعليه، كوزير مرتقب، أن يعي الجانب الحقيقي الإيجابي للمدينة بوجود مشروع تعليمي مهم تقوده جمعية “هاجر” النقباوية، يشمل مدارس مشتركة، ورياض أطفال ثنائية اللغة يدرس فيها أكثر من 400 طفل من العرب واليهود”. وحذّر العطاونة من معتقدات بن غفير ومفاهيمه الخطيرة التي يرددها في كل مناسبة، بأنه سيستعمل القوة المفرطة بحق المواطنين، وأن ما لا يمكن تحقيقه بالقوة سيقوم به بأكثر قوة، ويقصد في ذلك ضد المواطنين العرب لفرض القانون في الجنوب، ويوعز بإقامة وحدات شرطوية خاصة على نمط وحدة “يوآف” ووحدة ” مغين”.

ودعا العطاونة الحكومة القادمة لأن تقوم بدورها ومسؤوليتها لتضييق الفجوات ومكافحة العنصرية، من خلال دعم المشاريع التربوية التعليمية وتقوية جهاز التربية والتعليم في النقب، منوها أن هذا هو المنطلق المركزي لمعالجة كل الظواهر السلبية وليس بالقوة، لأن استعمال عنف الشرطة، وبهذا الشكل، يؤدي إلى الصدام مع السكان وليس غير ذلك، فإن صرخة المواطنين في النقب صادقة وتستدعي إيجاد الحلول الفورية والنظر إليهم كمواطنين متساوين في البلاد”.

البدو في النقب

يشار إلى أن النقب تعرّض لعمليات تهجير واسعة في 1948، فلم يتبّق سوى عدد قليل من سكانه البدو، وطبقاً لدراسات في المجال، بلغ تعداد سكانها قبل النكبة ما يقارب 100 ألف نسمة، طرد نحو 90 ألف نسمة منهم.

وكان بدو النقب يتبعون سبع قبائل كبيرة (الترابين، العزازمة، التياهة، الحناجرة، الجبارات، السعيّدين والجهالين) وتنقسم كل منها لعشائر كثيرة كانوا منتشرين في أرجاء النقب وبعدها أصبحوا لاجئين في الضفة وغزة وسيناء والأردن وبعضهم مهجرون في جبل الخليل. وقد طردت إسرائيل معظمهم، حيث تبقى نحو 10 آلاف نسمة فقط، وسارعت إسرائيل لتجميع كافتهم في منطقة “السياج”، وهي منطقة مغلقة شرق شمال النقب تساوي 10% من أرض النقب، وكان قسم من البدو موجوداً فيها، وفوق ترابه، والقسم الأكبر نقلوا عنوة وصاروا مهجّرين فيها، داخل قرى الزرنوق، أم الحيران، عتير، وغيرها.

ويؤكد الباحث عامر الهوزيل، ابن النقب، لـ “القدس العربي” أن محاولات حكومة نتنياهو الوشيكة لـ “تأديب “عرب النقب ستشعل ناراً لا أحد يعرف كيف ومتى تنتهي، مذكراً بأن مخططات كيدية ضد أهالي النقب الأصليين لم تتوقف منذ نكبة 1948. ويستذكر هنا أن الناجين من التهجير كانوا ضمن “التمدين القسري” و”عصرنة البدو”. وتابع: “ينفي هذا المنطق حقيقة أنه تم اختيار نموذج توطين مديني ومكتظ بشكل واضح لتدمير كامل لنمط الحياة البدوي التقليدي، والاستيلاء على أراضي النقب، وتكريس تبعية البدو اقتصاديا للدولة، وفق النموذج الاستعماري”.

ورغم خطة تمدين البدو أحادية الاتجاه فقد عاش في النقب عام 2006 داخل البلدات المخطّط لها 50% فقط من البدو، فيما بقي النصف الثاني منهم يقيم في قرى محرومة الاعتراف الإسرائيلي، وهم يعدّون اليوم نحو 300 ألف نسمة. منوهاً أنه في محاولة لتأكيد أهمية صحراء النقب بالنسبة للصهيونية نقل عن دافيد بن غوريون، الذي أمضى آخر أيامه ودفن فيها قوله إنه “في النّقب يمتحن الشّعب الإسرائيليّ ودولته”، ولهذا قرّر أن لا يبقى فيها أكثر من 10000 عربيّ، وفعلاً استمر التّهجير الدّمويّ فيها إلى أن استقرّ العدد على حوالي عشرة آلاف عام 1959.

واقترفت الصّهيونيّة جرائم متنوعة بحق أهالي النقب بغية تهجيرهم وتهويد المكان أهالي النقب، من أبشعها الاعتداء على طفلة بدوية في 12/8/1949 عمرها نحو 15 عاماً حيث اقترح قائد الكتيبة التّصويت على مصيرها إمّا أن تعمل في المطبخ أو اغتصابها؛ فصوَّت الجند على الثّانية. بعدها قصّوا شعرها، غسلوها واغتصبوها بالتّناوب على مدار أسبوع، ثمّ أخذوها خارج المعسكر وقتلوها رميًا بالرّصاص”. وبحسب تّقرير صحيفة “هآرتس” التي كشفت عن الجريمة في 2006 دفنت الطفلة هناك في كثبان رمال منطقة قرية معين جنوب غرب النقب “كيبوتس نيريم” اليوم، والّتي سمّيت على اسم وحدة الاغتصاب هذه.

إستراتيجيّة التّركيز وتهويد القانون والحيّز

وينبه الهزيل إلى أنه بين أعوام 1948-1966 أدار الحكم العسكريّ النّقب كباقي مناطق العرب، ففي غضون هذه الفترة سنّت قوانين كثيرة ذات طابع تهويديّ، منها قانون أملاك الدولة 1951 واستملاك الأرض 1953، وطوّرت الدّولة إستراتيجيّة المصادرة، القضم والتّركيز. المصادرة الرّسمية الأولى كانت عام 1960، حيث سجّلت الدّولة 9 مليون دونم من أراضي النّقب الجنوبيّ، وأُعلن عنها مناطق عسكريّة. تمّ هذا في نفس الوقت الّذي ركّز العرب فيه، بين عام 1948- 1953، في منطقة أُطلق عليها “السّياج” وكان هذا التّركيز الأوّل. التّركيز الثّاني في بلدات محدّدة أقرّته “اللّجنة الوزاريّة لشؤون البدو” عام 1962، ومعه رسمت معالم إستراتيجيّة تركيز أكبر عدد من العرب على أصغر رقعة أرض وتوزيع أقلّ عدد من اليهود على أوسع مساحة أرض، كترجمة لتهويد النقب بمنطق “تخليص الأرض”. ويلفت الهزيل إلى أن التّهويد هنا يتخطّى الأرض والمكان، ليطول الإنسان والمجتمع والهويّة الجماعيّة بفرض التّوطين والتّحديث القسريّ، وما يترتّب وترتّب عليه من انهيارات اجتماعيّة عاموديّة وأفقيّة.

ويستذكر في هذا السّياق ما قاله وزير الأمن الصهيوني الراحل موشيه ديان، أحد مبتكري إستراتيجيّة التّركيز، التّوطين والتّحديث القسريّ: “يجب علينا تحويل البدو إلى عمّال مدنيّين. هذا انتقال وتغيير كبير ومعناه أن لا يعيش البدويّ على أرضه ومع ماشيته. سيصبح مدنيّاً يعود بعد العمل ليحتذي حذاء البيت. سيتعوّد أبناؤه على والد يلبس بنطالاً دون أن يحمل الشّبرية، ولا ينشر القمل بين النّاس. هؤلاء الأبناء سيذهبون إلى المدرسة مع تمشيط شعرهم جانبًا. ستكون هذه ثورة ويمكن إنجازها في فترة جيلين، هكذا سينتهي شيء اسمه البدو”. ويخلص الهزيل للقول إنه بما ينسجم مع الهدف قطريّاً سنّت إسرائيل قانون التّخطيط والبناء عام 1965، ووفقاً له وضعت الخرائط برؤية تهويد الحيّز التّخطيطيّ. وعليه لم يذكر الوجود العربيّ في النّقب على الخرائط. هكذا ولدت مشكلة القُرى غير المعترف بها كحالة “حاضر غائب”.

وثائق التهجير

يشار إلى أنه قد كشف، في العام الجاري، عن الوثائق التاريخية لتهجير بدو النقب من خلال دراسة أعدها المحاضر اليهودي المعادي للصهيونية في قسم التاريخ في جامعة تل أبيب، غادي إلغازي، وذلك في سياق مداولات المحاكم الإسرائيلية في دعاوى ملكية للأراضي حرّكها أهالي قرية العراقيب مسلوبة الاعتراف، والتي هدمتها السلطات الإسرائيلية في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، للمرة الـ197 على التوالي منذ عام 2000. وأظهرت الوثائق أن الخطة، التي بدأ تنفيذها في نوفمبر/ تشرين الثاني 1951، وقادها الضابط موشيه ديان، الذي كان قائداً للمنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي، هدفت إلى سلخ وعزل البدو بالقوة عن أراضيهم. وجاء في مراسلات ديان للقيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية في حينه، أنه “في حال لم يتم نقل البدو طواعية من أراضيهم، فإن الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى نقلهم بقوة السلاح. وكتب ديان في إحدى الرسائل أن “نقل البدو إلى مناطق جديدة سيلغي حقهم كأصحاب الأرض وسيتحولون إلى مستأجرين للأراضي من الحكومة. ورغم سياسات الطرد والتهجير، أصبح عدد من تبقى في النقب بعد 74 عاماً على احتلاله، أكثر من 300 ألف نسمة، يعيشون على مساحة لا تتعدى 3% من مساحة النقب الكلية”.

مقاومة الطرد ورفضه

واستشهد إلغازي في دراسته برسالة بعثها ديان إلى هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، في 25 سبتمبر/ أيلول عام 1951. كتب فيها أنه “بالإمكان الآن نقل معظم البدو الموجودين قرب كيبوتس شوفال إلى أراض جنوبي شارع الخليل بئر السبع، وبذلك، سيتم وضع اليد على 60 ألف دونم كي نزرعها ونقيم بلدات، وبعد هذا النقل لن يكون هناك بدو شمالي الشارع. وتبيّن الدراسة كيفية سير العملية العسكرية، وذلك من خلال بعض قصاصات الورق التي تبادلها في ما بينهم بعض ضباط الحكم العسكري الذين نفّذوا الخطة، حيث كانوا على دراية أن الحديث يدور عن عملية عسكرية غير قانونية، وسلموا بدو النقب أوامر خطية تطالبهم بالانتقال إلى مكان آخر.