لم يكن ذلك المخيم الذي أنشئ على الأراضي التي منحها سعد الدين باشا شاتيلا للاجئين الفلسطينيين عام ١٩٥٠ صاخباً أو كبيراً للحد الذي يجعل منه خطراً يحيق بإسرائيل وعملائها، خصوصاً بعد انسحاب قوات منظمة التحرير من لبنان، وفراغ المخيمات من سلاحها أواخر الشهر الثامن من العام ١٩٨٢، ودخول قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات، والتي انسحبت بعد عشرة أيام فقط من استلامها مهامها في حماية المخيمات الفلسطينية، مخالفةً بذلك اتفاق "فيليب حبيب" ممثل الخارجية الأمريكية مع منظمة التحرير الفلسطينية على حماية المخيمات الفلسطينية من أي اعتداء.
لم يكن هذا الاتفاق بريئاً فقد كان مجرد تهيئة لما سيأتي بعده، فما كان قبله من توسع لمطامع المارونيين في محاولة السيطرة على بيروت الغربية وصفقات بشير الجميل زعيم حزب الكتائب مع شارون ومناحيم بيغن لتمكينه من الوصول لمنصب الرئيس اللبناني وهذا ما حصل عليه بعد ان انتخبه البرلمان اللبناني رئيساً للبنان وقبل أن يحلف اليمين الدستوري لتسلم منصبه، طلب الإسرائيلي منه الموافقة على معاهدة سلام معه، تعزل بها سوريا سياسياً وتُخرج لبنان من دائرة الصراع العربي - الاسرائيلي، ما دفع الجميل لعقد اجتماع لقيادة حزبه للتشاور حول هذا الامر، ولكن الانفجار هز بيروت ظهر الرابع عشر من سبتمبر١٩٨٢، ودمر بيت الكتائب، فُقتل الجميل والعديد من قيادة حزبه، حاول ضباط الموساد العثور على الجميل حياً بين الانقاض أملاً في انقاذ مخططهم، ولكن كانت كلمة القدر هي العليا.
لم يكن شارون من النوع الذي يفوت مثل هذا الامر دون أن يستثمره لصالح احقاده، فالتقى بمن تبقى من قاده حزب الكتائب مؤكداً لهم أن الفلسطينيين هم الذين قتلوا رئيسهم.
"إلياس إيلي جوزيف حبيقة" مسؤول فرع الامن والمعلومات في الحزب والطامع في رئاسة الحزب كان يصغي جيداً لمخطط شارون في مهاجمة المخيمات الفلسطينية، تحركه مطامعه وشهوة القتل الحيوانية التي كانت تسيطر عليه، فوقع الاختيار على ذلك المخيم الصغير مخيم شاتيلا لعدة أسباب كان أهمها صغر مساحته وعدد سكانه.
أصبح المخطط واضحاً والهدف هو الوجود الفلسطيني في لبنان والقضاء على المخيمات الفلسطينية فيه، كان هدف شارون أن يبث الرعب في قلوب سكان المخيمات الأخرى فما أن تسمع بما حدث في صبرا ومخيم شاتيلا، وتغادر لبنان وينتهي بذلك وجود اللاجئ الفلسطيني في اكبر تجمع له وينطوي هذا الملف للأبد.
حاصر جيش الاحتلال المخيم مساء السادس عشر من سبتمبر أي بعد يومين من مقتل بشير الجميل، وتحديداً يوم دفنه وسمحت لثلاث فرق من قوات الكتائب وجيش لبنان الجنوبي الدخول للمخيم وبدأت أبشع مجزرة في التاريخ قتل الرجال والولدان وانتهكت الأعراض وبقرت بطون الحوامل، وكان المخيم يُزال من الرحم، وسمحت القوات الاسرائيلية لبعض الصحافة الأجنبية دخول المخيم في اليوم التالي والقتل ما زال مستمراً ورائحة الموت تفوح من كل جنباته، لم يكن أمراً عبثياً دخولهم، ولكنه كان مقصوداً حتى تُسمع الرواية في كل الانحاء، ولتكن شاهدة على براءة المحتل من التنفيذ المباشر للمجزرة، فكيف لا وهذا بيغن يقول رداً على احداث المجزرة (أناساً غير يهود قتلوا اناساً غير يهود ما شأننا نحن).
رحل شارون وبيغن وقتل إيلي حبيقة في انفجار عام ٢٠٠٢، بعد أن هدد بكشف وثائق ضد إسرائيل إن هي حملته مسؤولية المجزرة لوحدة.
رحل القتلة وقتلوا بعضهم البعض، وبقي المخيم صامداً وشاهداً على أبشع مجزرة في التاريخ المعاصر.
حاول المحتل قتل الكبار أملاً في أن ينسى الصغار ولكن هيهات.