إساءة الأدب في كذبة معاداة السامية
تاريخ النشر : 31 يوليو, 2022 06:02 مساءً

المجتمع الدولي يجب عليه أن يغضب من تصريحات ميلون كوثاري المعادية للسامية، هذا ما جاء في بيان الناطقة باسم رئيس وزراء إسرائيل والذي تتهم فيه السيد كوثاري "ذو الأصول الهندية" بمعاداة السامية، وقبل أن يجف حبر البيان غردت المبعوثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة السفيرة ميشيل تايلور بالقول بأنها غاضبة من التعليقات الأخيرة المعادية للسامية والمعادية لإسرائيل التي أدلى بها عضو لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، فيما وصفت المبعوثة الأمريكية الخاصة لمراقبة ومكافحة معاداة السامية بأنه من المشين أن يدلي أحد خبراء حقوق الانسان بمثل هذه الأقوال، وتعالت معها الأصوات المؤيدة لإسرائيل بالمطالبة بإقالة لجنة التحقيق الأممية، فما الذي قاله الخبير الهندي ليتم وضعه على لائحة معادي السامية والمطالبة بإقالته ليس فقط من اللجنة بل فصله من العمل في الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية؟.

كل ما قاله كوثاري، والذي شغل قبل ذلك منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في السكن اللائق، أن هناك جهودا لتشويه سمعة مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة الذي أنشأ لجنة للتحقيق في الحرب الأخيرة على غزة والتي دامت ١١ يوماً، وأضاف "ليست الحكومات فقط، نحن محبطون للغاية من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التي يسيطر عليها الى حد كبير اللوبي اليهودي أو المنظمات غير الحكومية المحددة، حيث يتم صرف الكثير من الأموال لمحاولة تشويه سمعتنا"، وجدت إسرائيل في حديثه ما يكفيها لأن تضع فوق رأسه سيف ديموقليس الذي إبتدعته "معاداة السامية" لتلاحق به كل من تجرأ على توجيه نقد لها، وإن كان هجومها على لجنة التحقيق ومجلس حقوق الانسان لم يكن وليد اللحظة بل بدأ في اللحظة التي تشكلت فيه اللجنة، وحتى قبل أن تخطو اللجنة خطواتها الأولى حيث رفضت التعامل معها ولم تسمح لأعضاء اللجنة بالدخول إليها والمرور من خلالها إلى أراضي السلطة الفلسطينية، واستبقت النتائج بتوجيه الاتهام للجنة بعدم الحيادية والتشكيك فيها.

وقاحة الناطقة باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي ومن لف لفيفها له ما يبرره، فقد نقل لنا عبد الله بن المقفع عن الفيلسوف الهندي "بيدبا" وهو يعظ الملك دبشليم في كليلة ودمنة أن من أمن العقاب أساء الأدب، وليس ثمة من أمن العقاب أكثر من إسرائيل لذلك هي أكثر من أساء الأدب، فهي تتصرف بإعتبارها دولة فوق القانون لا يجرؤ أحد على مساءلتها، فحين إرتكبت المجازر وهجرت الفلسطينيين من بلداتهم وقراهم لتقيم على أنقاضها دولة العنصرية وجدت في العالم من يقف بجوارها ويشد من أزرها، وحين إعتدت على الدول العربية وجدت من يمدها بالعتاد والسلاح، وكلما ارتكبت جريمة تصل بمكوناتها المختلفة لمفهوم جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية تجد من يدافع عنها ويمنحها الضوء الأخضر لإرتكاب المزيد، يحق لطيرانها الحربي أن يقصف ويقتل كيفما شاء وأينما أراد ويبرر لها العالم ذلك بالدفاع عن النفس، لأجهزة استخباراتها أن تمارس القتل في دولة ذات سيادة وبجوازات سفر مزورة لدولة أخرى دون أن يلومها أحد، تخترع برامج تستخدمها للتصنت على زعماء العالم ويكتشفون أنها تفعل ذلك وكأن شيئاً لم يكن.

كم من حرب ضروس شنتها إسرائيل على دول وجماعات وأفراد تحت يافطة معاداتهم السامية؟، وكم هم الذين إبتلعوا ألسنتهم خوفاً من إتهامهم بمعاداة السامية؟، وكم هي الدول التي سنت قوانينها الخاصة لملاحقة كل من ينتقد إسرائيل بتهمة معاداة السامية؟، كيف نجحوا في أن يجعلوا من تلك الأكذوبة "معاداة السامية" التي ولدت في القرن التاسع عشر سيفاً مسلطاً على رقاب الجميع؟، كيف استطاعوا أن يختزلوا السامية فيهم وينفوها عن باقي الناطقين باللغات السامية من العرب والاشوريين والآراميين والبابليين والفينيقيين؟، وهل سام لم يأت من صلبه سوى اليهود كي ينسبوا أنفسهم إليه دون باقي البشر؟، يا له من عالم أحمق ذلك الذي أوجد شريعة لكذبة كبيرة كي يكمم بها أفواه من يفكر في انتقاد ما تقوم به إسرائيل من جرائم بحق الإنسانية جمعاء، وقبل أن تنثر إسرائيل تهمة معاداة السامية في كل مناسبة بشكل يفوق نثر الأرز في الأفراح كما جاء في تعبير عضو لجنة التحقيق الأسترالي في دفاعه عن زميله كوثاري.