بيت لحم-فتح ميديا:
تجمع قرية الولجة، جغرافيا وتاريخا وسياسيا، بين المعاناة التي مرت بها الأجيال المتتالية من اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948 حتى يومنا هذا، فجزء من أراضي هذه القرية تم احتلاله عام 1948 حيث هُجر منها أهلها آنذاك، والجزء الآخر من القرية الذي لا يزال يعيش عليه القليل من سكانها تم احتلاله عام 1967 وبات جزءا مما يعرف بالضفة الغربية، أو الأرض المحتلة عام 1967، والبعض يسميه تجاوزا الولجة الجديدة. هذه التقسيمات والأسماء لا تعني شيئا بالنسبة لأهلها، فالولجة هي الولجة سواء ما احتل منها عام 48 أو ما احتل في العام 67، أو ما تمت مصادرته في الأعوام التالية.
هذا ما تناوله المساق التدريبي لبرنامج تنمية الناشئة في مجال الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين الذي نظمه مركز “لاجيء” في مخيم عايدة مراحل نشوء القضية الفلسطينية وقضية التهجير المستمر بحق الشعب الفلسطيني. وهذا الجزء يحتوي على تفاصيل تاريخية وسياسية وقانونية كثيرة يصعب على الجيل الناشئ (14-16 سنة) الإلمام بها.
ولفهم أن التهجير كان وما زال سياسة استعمارية ظالمة تستهدف الشعب الفلسطيني كله يجب الوقوف أمامها بقوة، ولإيصال هذه الفكرة إلى الجيل الناشئ، تم يتم تنظيم زيارة لقرية مهجرة تقف بأراضيها وسكانها كشاهد حي على النكبة والنكسة والقمع والمصادرة والجدار والتهجير المتسمر، وقد اختيرت قرية الولجة لذلك.الرحلة والبرنامج والغايات
وقال نشطاء في مركز “لاجيء” ان الرحلة إلى الولجة بالنظر إلى مساق التدريب تندرج تحت إطار التعبئة الوطنية لحق العودة ولحقوق اللاجئين الفلسطينيين، حيث أن القرية بأراضيها وسكانها وأشجار زيتونها تعطي المشاركين/ات في مشروع تنمية الناشئة فكرة عميقة عن مراحل النكبة وحياة اللجوء والتهجير، وعن المعاناة التي يمر بها أهل القرية ومراحل صمودهم وتمسكهم بالجزء المتبقي من القرية رغم ممارسات الاحتلال القمعية، بما يعزز روح النضال والصمود لدى المشاركين في برنامج التنمية للمطالبة بحقوقهم وعدم التفريط بها. والرحلة أيضا نشاط ترفيهي وتربوي – تعليمي، فهي تشجع على البحث والاستكشاف والإحساس بجمال الوطن والارتباط به، وتعزز لدى الناشئة الإيمان بضرورة العودة، ليس لان العودة حلم، بل لأنها الطريق لإنهاء معاناة اللجوء.
وتقول مدربة في البرنامج حيث جرى تنظيم رحلة للمشاركين، هذه هي المرة الأولى التي اذهب فيها إلى القرية، رغم أنها لا تبعد عن مكان سكني في مخيم عايدة إلا بعض الكيلومترات. وكمدربة قمت ضمن أعمال التحضير للرحلة بجمع ما استطعت من معلومات عن القرية، الأمر الذي زاد من شوقي ليوم الرحلة. الأطفال ناشئة مركز “لاجئ” كانوا متشوقين جدا للرحلة، وقد رأيت في عيونهم بريقا لم أره من قبل إلا في الرحلة التي قام بها مركز لاجئ إلى يافا وحيفا وعكا، ربما كان ذلك تعبيرا طفوليا عن الرغبة في نزهة في أحضان الطبيعة واللعب هناك، ولكن لم يكن يفوتهم أن الرحلة تأتي ضمن برنامج تعليمي أيضا.وقالت الفتاة رانيا رومي (14 عاما) من بيت نتيف: ” كنت فرحة لأنني سأذهب إلى الولجة خصوصا لأني لم أزرها من قبل… أكثر شيء أعجبني هو عندما جلسنا وسط القرية وبدأنا نتحدث عنها. كنت استمع للمرشدة آمال وانظر في كل الاتجاهات استكشف الحجارة والأشجار والماضي.”.
“كم هو جميل أن يرى الأطفال صورة عن قراهم الأصلية”! تقول سلسبيل المشايخ (14 عاما) من بيت نتيف: ” دهشت حينما رأيت كبر قرية الولجة وأراضيها الخصبة وجبالها الشاهقة، حلمت بقريتي بيت نتيف، ومع أنني لم أزر قريتي الأصلية إلا أنني أشعر بأن قرى فلسطين تشبه بعضها البعض وأحسست بأنني في قريتي”. ومن الرائع أيضا “أن يحس الأطفال ببؤس الحياة في المخيم” تقول إيمان أبو شعيرة (14 عاما) من بيت نتيف، وتضيف: ” جلسنا في الطبيعة الخلابة غُصت في جبالها وأراضيها تشبّعت من هوائها النقي الذي يفرق كثيرا عن هواء مخيم العزة “
مخيم بيت جبرين”.بعد الجلسة الإرشادية الأولى، قامت المجموعة بالتجول في القرية مشياً على الأقدام. كان الأطفال يتعلقون بكل شيء يقع تحت أنظارهم أو بين أيديهم وكأنهم يخشون أن تضيع اللحظة، كانوا يريدون الاحتفاظ بكل شيء.
ويقول الفتى طارق قراقع (14 عاما) من علار: “مع أننا تعبنا من المشي، ولكن كنا نواصل ونواصل لنرى أشياء جديدة ونتمتع بالمناظر الخلابة وبالطبيعة، كنا متشوقين جدا لالتقاط الصور، فقد كنّا نلتقط الصور لنا عند كل مكان نقف عند”. وبالتأكيد فالصور بالنسبة لطارق توثيق أو للذكرى، ولكنها أيضا علاقة نسجها مع المكان، فمن المهم جدا أن يرتبط الإنسان بمكان حتى يحبه.ولم يكن التنقل في الولجة فقط تنقلا في المكان، بل ترافق ذلك مع تبدل الصور وما نتج عن ذلك من تغير المشاعر والأحاسيس والأفكار، فما كان يدور في أذهان الناشئة عندما توقفوا عند بناء حجري قديم حوله سور من الحجارة محاطٌ بقطعة ارض خضراء مليئة بنبات الخبيزة والأشواك البرية، لالتقاط صورة جماعية، مختلف عما كان يدور في أذهانهم ومشاعرهم عندما وقفت المجموعة على قمة تلة تنظر إلى الأراضي التي أخذها الاحتلال ليبني عليها المستوطنات. كانت الأفكار، أو كلمات التهجير، الاستيطان، المصادرة، وغيرها واقعا أمام الناشئة شاهدوه وأحسوه في مستوطنة “جيلو” التي تقع شرق القرية وأخرى جنوب شرق القرية “هار جيلو”، والأراضي التي تم الاستيلاء عليها، وأشجار الزيتون المقطعة والمقلوعة بهدف بناء مستوطنة جديدة وهي “جيفعات يائيل”.
شجرة سيدنا احمد البدوي
وعبر أحمد أبو سرور، من بيت نتيف، عن دهشته عندما رأى شجرة “سيدنا احمد البدوي” وقال: ” عندما ترى هذه الشجرة تظنها للوهلة الأولى عملاق أسطوري واقف في أرض قرية الولجة”.
وقالت سيرين فرج (14 عاما) من المالحة: ” دهشت عندما قال لنا رجلان كانا يجلسان جلسة عربية بقرب الشجرة ويرتشفان القهوة ويشربان النرجيلة، أن شجرة الزيتون هذه عمرها أكثر من 5500 سنة، واسمها شجرة سيدنا احمد البدوي.”، و اضاف طارق متحمساً: ” يا إلهي! لقد تسلقت شجرة سيدنا احمد البدوي، وعندما نظرت عبر فجوة صغيرة في وسطها، تصوّرت في مخيلتي كيف هي جذورها قوية ومغروزة في الأرض ومتمسكة بأصالتها وهويتها وعروبتها مثل الفلسطيني تماما”.
وعلقت رانيا رومي: ” فرحت كثيرا بالشجرة. أحسست عندما لمستها باني سلمت على ايدي أجدادي”.
وكانت الذروة في سؤال المجموعة للرجلين: ” من يحمي الشجرة؟” فرد الرجلان: ” الله، ونحن نحرسها… والأمل بكم”.
وقالت إيمان أبو شعيرة حزينةً: “من المحزن أننا لم نسمع عن شجرة سيدنا البدوي، فلماذا لم يرد ذكرها في كتاب التاريخ الفلسطيني؟!”.الاستيلاء على “عين الحنية” مثال على الغطرسة
وتشتهر قرية الولجة بكثرة عيون الماء الغزيرة فيها، ومن أشهرها عين الحنية وعين أبو السمير، التي كان من المخطط أن تكون المحطة الأخيرة في هذه الزيارة ليتمكن الناشئة من رؤيتها والشرب من مياهها، ولكن في طريقهم إليها نصحهم رجل من القرية بعدم النزول، وذلك لأن الكثير من المستوطنين يأتون بحراسة الجيش كل سبت لزيارة العين، فاضطروا لتحويل مسار رحلتهم لتجنب تعرضهم للخطر.
اثر الرحلة: نقاشات العودة وصورة الغد
وفي طريق العودة من الولجة عبر دير كريمزان أخذت نتائج الرحلة كوسيلة تعليمية تظهر في نقاشات المجموعة وأحاديثهم مع بعضهم البعض، ففي الطريق رأى الأطفال قرية المالحة التي لا تبعد كثيراً. فقالت ريم سرحان (14 عاما) من قرية المالحة: ” ليتنا نستطيع زيارة قريتي لأريكم بيت جدي وجدتي وأرضهم المزروعة بأشجار الخروب واللوز والزيتون، كم أنا مشتاقة لأرى أرضنا وأعيد ذكريات جدي وأعيش اللحظة”.
وتحدث إياب العزة (14 عاما) من بيت جبرين إلى المجموعة قائلا: ” كم أتمنى أن أعيش في قريتي بيت جبرين، فحياة القرية تختلف عن حياة المخيم، في المخيم لا يوجد أرض حول بيتنا نزرعها أنا وجدي وأبي كيفما نشاء وأسقيها بنفسي، ولا مكان العب فيه كرة القدم والسبع حجرات…”. فرد عليه آخر: ” لما نرجع سوي ملعب في بيت جبرين”.
وفي رحلتهم إلى قرية الولجة شاهد الأطفال التهجير، الاستيطان، المصادرة، والجدار، لقد شاهدوا وجه الاحتلال الحقيقي، ولكنهم لمسوا أيضا معنى العودة، فالرحلة إلى الولجة، خلال ساعات علمت الأطفال ما تلقوه خلال فصل كامل من اللقاءات الدورية.الموقع
وتقع قرية الولجة إلى الجنوب الغربي من مدينة القدس، وتبعد عنها 8.5 كم، ومتوسط ارتفاعها 750م، وتبلغ مساحة أراضيها حوالي 17708 دونمات، وتحيط بها قرى: الجورة، بتير، بيت جالا، شرفات، القبو، رأس أبو عمار، عقور، وخربة اللوز. وقد قامت المنظمات الصهيونية المسلحة بهدم القرية وتشريد أهلها البالغ عددهم في عام 1948 (1914) نسمة، وكان ذلك في 21\10\1948، وأقاموا مستعمرة (عامي نداف) عام 1950. ولا تزال بعض المنازل الحجرية قائمة في موقع القرية، ولا يزال الماء يتدفق من أبنية حجرية إسمنتية مبنية فوق نبع الحنية الذي يقع غرب القرية، ويستعمل موقع القرية الاصلي متنزها للإسرائيليين
الولجة: حكاية أرض صمدت بثبات زيتونها رغم ضياع عيون مياهها
تاريخ النشر : 04 سبتمبر, 2021 01:19 صباحاً