فتح ميديا – غزة:
يعيش الاقتصاد الفلسطيني الهش بمستنقع من العوائق، التحديات والصعوبات التى تحول دون تقدمه، فنشهد تصاعدا بنسبة البطالة في المجتمع الفلسطيني، توقف أكثر من 66 ألف عامل عن العمل خلال العام 2020، أدى لارتفاع معدل البطالة الى 27.8% مما يعكس انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 14%، ودخول فئات جديده الى دائرة الفقر والفقر المدقع. ومن المتوقع ان يتكبد الاقتصاد الفلسطيني خسائر في العام الحالي 2020 لتصل الى 2.5 مليار دولار.
فبينما شهد الاقتصاد الفلسطيني انخفاضا وتراجعا حادا في الناتج المحلي الإجمالي خلال العام 2020 مقارنة مع العام 2019، حيث سجل نشاط الخدمات أعلى قيمة تراجع وبنسبة 10%، وكان المتضرر الأكبر منه النشاط السياحي بما يشمل المطاعم والفنادق، كما تراجع نشاط الإنشاءات بنسبة 35%، بسبب التراجع الحاد في مستوى الطلب على البناء لتلك الفترة، ثم نشاط الصناعة الذي تراجع بنسبة 12% خلال عام 2020.
المشاريع الصغيرة محرك الاقتصاد الفلسطيني
وقال ماجد أبو دية محلل اقتصادي فلسطيني،" أن المشاريع الصغيرة تعد محرك مهم للاقتصاد الفلسطيني، فهي اداة فعالة للتخفيف من حدة البطالة بحيث تلعب دورا هاما في توظيف العمالة، وتحسين مستويات الدخل للأسر العاملة فيها".
وأضاف أبو دية في تصريح خاص لفتح ميديا، " أن هذه المشاريع تساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، فهي تمثل نسبة كبيرة تصل إلى95% من مجمل الأشطة الاقتصادية، واهم ما يميزها أن معظمها مشاريع عائلية، ورأسمالها يعتمد على المدخرات الشخصية لمالكيها".
وأوضح أن هذه المشاريع تنشط في المجال الزراعي وتمثل نسبة حوالي 7%، وفي المجال الصناعي حوالي 20% (صناعات استهلاكية، ونسيجية وحرفية)، والنسبة الأكبر في مجال الخدمات أي تجارة الجملة والتجزئة الوكلاء والسماسرة والخدمات المالية.
وتابع أبو دية: "في ظل عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في فلسطين فان هذه المشاريع تكافح من اجل البقاء وتكون قادرة على التطور، وهي عرضة للصدمات، مثل صدمات الحصار على قطاع غزة، والذي كان سببا مباشرا في فشل العديد من هذه المشاريع الناشئة بسبب التقلبات في اسعار المنتجات وتكبيد أصحاب المشاريع خسائر أدت إلى خروجهم من سوق العمل، أو الصدمة الوبائية المتمثلة بجائحة كورونا، والتي ألحقت ضررا كبيرا بهذه المنشآت بسبب الاجراءات الحكومية التي اتخذتها في إطار مواجهة انتشار".
الصدمة الوبائية وتأثيرها على المشاريع الصغيرة
وبين أبو دية أن جائحة كورونا عرضت هذه المشاريع إلى العديد من صدمات العرض والطلب والصدمات المالية ولجوء المؤسسات إلى اجراءات مالية وادارية وللحلول الرقمية لمواجهة اثار الجائحة.
وأردف: " اشارت تقارير مركز الإحصاء الفلسطيني إلى ان أكثر من ثلثي المؤسسات الاقتصادية تعرضت للإغلاق الكلي بمعدل يقارب الشهر والنصف خلال بداية الجائحة، تركز الإغلاق في قطاع الخدمات، لتعاني 63% من المؤسسات من وقف الإمدادات المتعلقة بمدخلات الإنتاج من مواد خام ومستلزمات انتاج، وتراجع في مستوى الإنتاج أو حجم المبيعات بحوالي النصف لتضطر العديد من المشاريع لتسريح جزء من العاملين لديها لمواجهة تلك الأزمة، كما انعكست هذه الجائحة على توقف تشغيل العديد من الصناعات وخاصة السياحية والحرفية بشكل كلي".
وأكد أبو دية أن المنشآت الصغيرة في فلسطين تعاني من ضعف التمويل، وشروطه والضمانات التي تطلبها مؤسسات الاقراض، لذا هذا الأمر يتطلب من الجميع وعلى رأسهم الجهات الحكومية، العمل بشكل كبير على توفير الدعم المالي لرواد هذه المشاريع، لمواجهة التعثرات المالية التي تمر بها جراء التقلبات في الظروف السياسية والاقتصادية التي تعصف بفلسطين بين الحين والأخر.
وفي ختام حديثه، أوضح أن الدراسات تشير إلى ان 70% من المشروعات تتعثر لعدم توافر التمويل التشغيلي الكافي لاستدامة عمل هذه المشروعات الريادية بالإضافة إلى غياب الحوافز الاستثمارية "الإعفاءات الجمركية والضريبية"، مطالباً بضرورة العمل على تكريس الاهتمام بها وتطوير رأس المال البشري من خلال برامج التأهيل والتدريب خصوصا مع وجود مثل هذه المشاريع التي تسهم في تحسين الإنتاجية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أحد السبل للخلاص من أزمة البطالة
وفي السياق، قال ماهر الطبّاع الخبير الاقتصادي، أن المشاريع الاقتصادية الصغيرة تعتبر السبيل الوحيد للخلاص من أزمة البطالة وتخفيض نسبتها، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، وهناك الكثير من الدول تغلبت على معدلات البطالة لديها بالتوجه للمشاريع الصغيرة.
وأضاف الطبّاع، في تصريح خاص بفتح ميديا، أنه هذه المشاريع في فلسطين عامة وبقطاع غزة خاصة، تواجه تحديات كبيرة يتمثّل أبرزها غياب قوانين وتشريعات التي تنظم عملها وقد يؤدي إلى فشلها، إلى جانب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع للعام الـ 14 على التوالي وإغلاق المعابر والتي تؤثر على المشاريع التي تعتمد على الصادرات ".
وأشار إلى المشاريع التي تتطلب كهرباء وتعتمد عليها ستواجه عقبة كبيرة وفي حال البحث عن بدائل ستكون التكاليف عالية جداً لمثل هذا المشاريع الصغيرة، وحديثا جائحة كورونا التي أضرت بالمشاريع الصغيرة خلال السنة الأخيرة.
وتابع الطبّاع، " بفعل الجائحة تراجع النشاط الاقتصادي خلال 2020، بنسبة تتراوح ما بين 50-90 بالمئة، في القطاعات المختلفة، وارتفعت البطالة بنسبة 50%، وربع مليون عامل عاطل عن العمل، ومعدلات الفقر وصلت 53%".
من جانبه، قال أسامة نوفل الخبير الاقتصادي، أن المشاريع الصغيرة مصطلح بدأ عملياً في الأراضي الفلسطينية بعد إغلاق شباط 1996م، وكانت الفكرة في تلك الفترة ضرورة التوجه نحوها إلى عدة أسباب منها نسبة المخاطرة في هذه المشاريع منخفضة جداً غير ذلك المردود المالي لها سريع جدا، وأخيراً تشكيل عدد محدود من العاملين ورأس المال محدود جداً وبالتالي قدرتها على التطبيق في قطاع غزة سهلة ودقيقة على عكس الدول الأخرى.
وأضاف نوفل في تصريح لفتح ميديا، أن: " قد تنجح المشاريع الصغيرة في الأراضي الفلسطينية وقد تفشل في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لأن هناك الاقتصاد كبير جداً يعتمد على المشاريع الكبيرة، لكن في ظل اقتصاديات قطاع غزة المحدودة هذا المفهوم الخاص بالمشاريع الصغيرة يصلح على فترات طويلة لوجود رأس المال المنخفض"
وبين أن حوالي 90 ٪ من المشاريع بالأراضي الفلسطينية مشاريع صغيرة وهي مملوكة إلى أصحابها، بالتالي يتفق هذا المفهوم مع المشاريع الصغيرة بشكل كبير لأن الطابع العائلي يطغى عليها.
وأوضح نوفل أن هذه المشاريع نجحت في قطاعات مختلفة من إنتاجية وصناعية بشكل ملحوظ خلال السنوات التي تحدثنا عنها بعد عام 1996، وظهرت بشكل كبير عقب الانتفاضة الثانية في الأراضي الفلسطينية نتيجة العديد من العاملين في الاقتصاد الإسرائيلي والذين فقدوا مصدر عملهم، مشيراً إلى انه كان هناك ملجأ للعمل في المجالات الصغيرة سواء كانت إنتاجية أو زراعية أو صناعية أو خدماتية بأشكالها المختلفة ومنها التجارية.
وأكد نوفل أن هذه المشاريع كان لها صدى إيجابي في التخفيف من الفقر والبطالة لدى المجتمع الفلسطيني ولا ننسى المبادرات الأخيرة التي تظهر الآن على السطح مثل العربات الصغيرة التي تقدم إلى العاطلين عن العمل لها مردود جيد كمشروع صغير لأنها لا تكلف أكثر من 1000 شيكل أو 1200 شيكل وأعطت صدى جيد في قطاع غزة وهي عبارة عن العربات المتنقلة.
وتابع: "أيضاً المنشآت السياحية الصغيرة التي تفترش شواطئ البحر الآن لها دور كبير في تشغيل العاطلين عن العمل إضافة إلى المشاريع المنزلية التي كثرت بشكل كبير عقب الانقسام الفلسطيني، لذلك هناك توجه نحو الصناعات المنزلية في قطاع غزة الغذائية والكيميائية وغير ذلك والتي أحدثت صدى ونتائج إيجابية في قطاع غزة.
التحديات التي تواجه المشاريع الصغيرة
وبشأن العقبات التي تواجه المشاريع الصغيرة في القطاع، أردف نوفل: "ضعف التمويل بأشكاله المختلفة لهذه المشاريع خاصة أن البنوك تأخذ نسبة فوائد مرتفعة جداً على القروض الموجهة إلى القطاع الخاص ومن ضمنها المشاريع الصغيرة بالتالي أحد المخاطر التي تواجه أصحاب المشاريع الصغيرة الفوائد المرتفعة على هذه القروض"
وأضاف: "أنه من العقبات أيضا ضعف تمويل المانحين لمثل هذه المشاريع أثر سلباً على نموها، حيث أن المانحين توجهوا نحو دعم المشاريع الكبيرة على حساب المشاريع الصغيرة في قطاع غزة وهذا كان له دور خطير في عدم انتباه من قبل المانحين بهذا الشأن".
ونوه نوفل أن العقبة الثانية كان الانقسام الفلسطيني حيث أن السلطة الفلسطينية عزفت عن تنظيم مثل هذه المشاريع رغم وجود صناديق سيادية لدى السلطة وكان من دورها الأساسي دعم المشاريع الصغيرة في ظل الانقسام حيث توقفت في قطاع غزة واستمر عملها بشكل جيد في الضفة الغربية.
وأشار إلى ان هناك مشكلة أكبر الآن في ظل انتشار المشاريع الصغيرة وهو عدم قدرتها على تصدير المنتجات النهائية إلى الخارج، وبالتالي كان لها تأثير سلبي على نموها واستمراريتها كونه السوق المحلي محدود جداً في استيعاب منتجات هذه المشاريع بحيث يكون هناك قدرة على التسويق الخارجي هذا كله متوقف حالياً.
وبين نوفل أن من المشاكل التي تواجه هذه المشاريع الصغيرة غياب دور المؤسسات المعنية والتي تشكل حاضنات لها من عملية دعم الأفكار الإبداعية للمشاريع خصوصاً في قطاع غزة.
دور الحكومة في دعم المشاريع الصغيرة:
وحول دور الحكومة الفلسطينية من دعم المشاريع الريادية، أردف نوفل: " هناك ما يسمي الهيئة العامة لتشجيع الاستثمار من محاسنها أنها تمنح قروض حسنة لمشاريع صغيرة بدون فوائد، لكن إشكاليات هذه الهيئة انها محدودية المشاريع أو رأس المال الخاص بها.
وأوضح نوفل أن المشاريع الصغيرة معفية من هيئة الاستثمار من أي فوائد، ويكون فيها السداد مريح ويمنح صاحب القرض أريحية بأن يستثمر في مشاريع صغيرة دون أن يكون عنده عوائق كبيرة، مشيراً إلى ان مشكلة مدخلات الانتاج الخاصة بالصناعات الصغيرة مرتفعة التكاليف نتيجة فرض الضرائب عليها بشكل كبير وبالتالي كان ذلك أحد العوائق والمشاكل التي نواجها
وفي ختام حديثه، قال نوفل: "أن الحكومة عملت على إعفاء تلك المشاريع من رسوم التسجيل في وزارة الاقتصاد لمدة عام حتى يستطيع صاحب المشروع الصغير البدء في مشروعة بشكل جيد وذلك تخفيفاً على صاحب المشروع الصغير، لأنه وفق القانون يجب أن يرخص هذا المشروع في وزارة الاقتصاد ويدفع عليه تكاليف معينة.
يذكر أن تيار الإصلاح الديمقراطي بحركة فتح ساهم في دعم العديد من المشاريع الصغيرة مثل" صناعة المنظفات والمعقمات المنزلية"، و"صناعة المعجنات" و"صناعة الأجبان" و"كيفية صناعة السجادة" وتحسين مستوى الدخل للأسر الفقيرة خلال إقامة مشروع صغير ليشكل مصدر دخل لهم ومن أجل تحسين أوضاعهم الاقتصادية في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع غزة.
ويشار إلى أن المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني "فتا" ساهم في تمويل 265 مشروع صغير للخريجين والعاطلين عن العمل على مرحلتين لكلا الجنسين في قطاع غزة لعام 2019م بدعم إماراتي، حيث استهدف المشروع (فئة خريج متزوج، فئة خريج غير متزوج، فئة عمال معيلين، فئة سيدات معيلات) ويأتي لخدمة فئة النساء والشباب والعاطلين عن العمل حيث وصل نجاح هذا المشاريع نسبة 95%".
تقرير: المشاريع الصغيرة نُواةٌ وأداة فعالة تؤسس لاقتصاد يخفف من وطئه الفقر وحدة البطالة في غزة
تاريخ النشر : 27 مارس, 2021 07:21 صباحاً