الرواية المفقودة.. عربدة الاستبداد (2-2)
تاريخ النشر : 02 يناير, 2021 05:28 مساءً

بقلم/ عماد سليم محسن 

الناطق باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح

واصل وثائقي (الرواية المفقودة) في الجزء الثاني تعزيز كل الطروحات التي أكدت أن نوايا إزاحة محمد دحلان من المشهد الفتحاوي والوطني كانت مبيّتة، وأن ما جرى الترويج له من أكاذيب خلال عقدٍ من الزمن لم يكن لينطلي على أصغر طفلٍ في الشعب الفلسطيني كله، وأن محاولات تغييب الرجل ارتبطت أساساً بدوافع شخصية، تأسست على حقدٍ دفينٍ بسبب ما تمتع به الرجل من كاريزما وحضور وتميز على المستوى الشخصي والقيادي، في أوساط فتح وفي أوساط الفلسطينيين جميعاً.

لم يعد خافياً على أحد الآن حقيقة ما جرى، فالتحقيق مع محمد دحلان كان باطلاً، شكلاً ومضموناً، والتهم التي وُجّهت له كانت باطلة ومبنية على مزاعم غير حقيقية، والشهادات التي انتزعت قهراً كانت مفبركة ومنعدمة الأثر القانوني، ونصوص القرارات التي صدرت عن مكتب الرئيس، ولُفّقت باسم اللجنة المركزية لحركة فتح شابها العوار القانوني، وقبل ذلك العوار القيمي والأخلاقي، والمواد التي جرى الاستناد لها في النظام الداخلي لحركة فتح فسرتها جهات الاختصاص في الحركة بغير ما رأت به الجهة التي أصدرت قرار الفصل مسوغاً لاجتهادها الخاطئ، وبالتالي فإن كل ما حدث هو بهتان افترته مجموعة متنفذة على حساب كل القوانين والأنظمة والقيم الإنسانية والأخلاقية.

تقول الحقيقة المجردة الآن أن القرار اتخذه الرئيس محمود عباس منفرداً، لأسباب لا علاقة لها بكل ما قاله سواء في العام 2011 أو العام 2013، ثم استخدام سلطاته كافة، كرئيس لحركة فتح وللسلطة من أجل أن يوضع القرار موضع التنفيذ، ثم لجأ إلى تشكيل اللجان الواحدة تلو الأخرى، وفي كل مرة جاءت النتيجة عكس ما يتمنى، فيعاود الكرّة، دون أن يكلّ أو يمل، وعندما شعر أن المسار القانوني والتنظيمي والحركي لن يؤتي ثماره، اختار أن يذهب بعيداً، وأصدر قراره باغتيال محمد دحلان، ووجد الجهاز الأمني الذي كان مستعداً لعمل أي شيء من أجل تحقيق مكتسبات من طرف الرئيس، واقتضت الخطة أن يحدث اشتباك مسلح مع من يحرسون بيت محمد دحلان في رام الله، ثم تذهب خلية الاغتيال لتنفيذ جريمتها، وفي نهاية اليوم يُعلن عن وقوع "اشتباك مؤسف"، وتشكيل لجنة تحقيق في الحادثة، وبيان نعي قصير وتسدل الستارة عن الجريمة، لكن ذكاء من تواجدوا داخل البيت حال دون وقوع هذه المأساة، وفشلت الخطة، فاختار عباس أن يقطع الطريق على كل محاولات تصويب المسار وإنهاء كل هذا العبث بالقانون وبالنظام الداخلي لفتح، وأصدر قراره دون أن يتمكن أحدٌ من منعه من مواصلة طريق اللاعودة الذي اختاره في الخصومة على دحلان ورفاقه.

عقب صدور قرارات الفصل والاقصاء، تحركت نخبة من كوادر حركة فتح، يتقدمهم القائد الفتحاوي سمير المشهراوي، وانحازوا إلى الحقيقة وإلى الموضوعية وإلى مصداقيتهم كفتحاويين، واختاروا أن يكونوا حائط الصد في مواجهة نزق عباس وبطانته، كي لا تقول كتب التاريخ مستقبلاً أن حركة فتح التي أطلقت رصاصتها الأولى رفضاً للظلم باتت لا تملك أن تقول (لا) في وجه طاغيةٍ ظالم، فتأسس تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، الذي رفع شعار إصلاح مؤسسات الحركة، واستعادة الروح النضالية لفتح، وتصويب المسار التنظيمي والقيادي والسياسي للحركة، ووقف التغول على إرث الحركة وحاضرها ومحاولات سرقة مستقبلها.

بات في حكم المؤكد اليوم أن قرار إزاحة محمد دحلان عن المشهد الفتحاوي كان مرتبطاً بقرارٍ أكثر خطورة اتخذه محمود عباس وفريقه، وهو فصل غزة عن النظام السياسي الفلسطيني، وتكريس الانقسام ليصبح مع مرور الوقت انفصالاً جغرافياً وسياسياً، تنفيذاً لأجندةٍ لا يعلم بها سوى الله، فقد كان محمد دحلان من أوائل من طالبوا بحقوق غزة بعد وقوع الانقسام عام 2007، فتحرك سريعاً في مسألة تفريغات العام 2005، ثم في موضوع التأمين الصحي لموظفي غزة، وتحويلات أبناء قطاع غزة الطبية، ثم سرعان ما باشر عبر لجنةٍ متخصصةٍ بتنظيم العلاقة مع قطاع غزة، تمهيداً لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، دون أن تحدث معطياتٍ ووقائع تجعل استعادة هذه الوحدة أمراً بالغ الصعوبة، فكان التحرك في مواجهة دحلان مقدمة لإجراءاتٍ مأساويةٍ تعرضت لها غزة على يد عباس وفريقه، وبذات الحجج الواهية والمتمثلة بشعار جرت من خلفه كل الجرائم (استعادة غزة)!!!

كان من المنطقي أن يكون أول شعارات تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح (غزة إلى أين؟)، تلك الصرخة التي أطلقت في قاعة مركز رشاد الشوا الثقافي في مدينة غزة، ليدفع المئات من أبناء حركة فتح ثمن هذا التساؤل المشروع، حيث جرى التعدي على رواتبهم واتخذت بحقهم قرارات فصلٍ من الحركة ومن الوظيفة العمومية، ومع ذلك ظل الجميع يردد (فتح كبيرة بالكل الفتحاوي)، وبرغم أن الأدلة كانت تأتي تباعاً على خطايا السلطة بحق غزة، إلا أن التيار ظل على موقفه المبدئي بضرورة إنهاء الانقسام الفتحاوي، والبدء بخطواتٍ جادةٍ من أجل إنهاء الانقسام الوطني.

جاء الوثائقي (الرواية المفقودة) ليقول لنا أننا لم نخطئ عندما اخترنا الانخراط سريعاً في صفوف تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، وأن الصواب لم يجانبنا عندما انضممنا إلى كتيبة الأحرار، الذي يعلو صوتهم اليوم في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ومخيمات لبنان والأردن وسوريا، وساحة مصر وأوروبا والأميركيتين، ويهتفون بصوتٍ واحدٍ أن فلسطين تستحق الفضل، وأن فتح جديرة بقيادة المشروع الوطني بزعامةٍ تمثل ضمير أبناء فتح وشباب فتح وشبيبة فتح ونساء فتح وعمال فتح وكل شرائح المجتمع الفلسطيني، زعامة تجوب مدن وقرى ومخيمات الوطن والشتات على أقدامها، تتلمس حاجة أبناء شعبها، وتحث الخطى وإياهم على درب الحرية والاستقلال، وتضيء عتمة الحقبة السوداء في تاريخ الحركة، وتفتح الباب أمام استعادة شعبنا لوحدته وكفاحه، بمساندة جماهير أمتنا العربية وكل أحرار العالم، لأن الراية لا ينبغي لها أن تسقط، ولأن القدس ما تزال تنتظر الرجال ....